نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَالْمُعَصْفَرِ وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، بِحَذْفِ مَفْعُولِ نَهَى، وَحَذْفُ الْمَفْعُولِ فِي ذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْحُكْمِ عَلَى التَّحْقِيقِ كَمَا حَرَّرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ مِنْ أَنَّ مِثْلَ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَذَا صِيغَةُ عُمُومٍ بِمَا لَا يَدَعُ مَجَالًا لِلشَّكِّ؟ وَمِمَّنِ انْتَصَرَ لِذَلِكَ: ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الْفِهْرِيُّ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي مِثْلِ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَقَضَى بِالشُّفَعَةِ، وَقَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ غَرَرٍ وَكُلَّ شُفَعَةٍ، وَكُلَّ شَاهِدٍ، وَيَمِينٍ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، كَمَا حَرَّرْنَا أَدِلَّةَ الْفَرِيقَيْنِ، وَنَاقَشْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ رِوَايَةَ " نَهَانِي " الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مُدَّعِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِعَلِيٍّ: تَدُلُّ أَيْضًا عَلَى عُمُومِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّ خِطَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَاحِدٍ مِنْ أُمَّتِهِ يَعُمُّ حُكْمُهُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَخِلَافُ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي خِطَابِ الْوَاحِدِ، هَلْ هُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ الدَّالَّةِ عَلَى عُمُومِ الْحُكْمِ، خِلَافٌ فِي حَالٍ لَا خِلَافٌ حَقِيقِيٌّ، فَخِطَابُ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ صِيغَةُ عُمُومٍ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ لَا يَعُمُّ ; لِأَنَّ اللَّفْظِ لِلْوَاحِدِ لَا يَشْمَلُ بِالْوَضْعِ غَيْرَهُ، وَإِذَا كَانَ لَا يَشْمَلُهُ وَضْعًا، فَلَا يَكُونُ صِيغَةَ عُمُومٍ، وَلَكِنَّ أَهْلَ هَذَا الْقَوْلِ مُوَافِقُونَ: عَلَى أَنَّ حُكْمَ خَطَّابِ الْوَاحِدِ عَامٌّ لِغَيْرِهِ لَكِنْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ خِطَابِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ الدَّلِيلُ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ. أَمَّا الْقِيَاسُ فَظَاهِرٌ ; لِأَنَّ قِيَاسَ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُخَاطَبِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ اسْتِوَاءِ الْمُخَاطَبِينَ فِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ مِنَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالنَّصِّ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ: " إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، وَمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ إِلَّا كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ ".

قَالُوا: وَمِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ: " حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ ".

قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ: اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ: " حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ " لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنِّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ: " إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ " وَسَاقَ الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.

وَقَالَ صَاحِبُ كَشْفِ الْخَفَاءِ وَمُزِيلِ الْأَلْبَاسِ، عَمَّا اشْتُهِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ: " حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ "، وَفِي لَفْظِ: " كَحُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ " لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ: فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْبَيْضَاوِيِّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015