وَابْنُ مَعْدَانَ الْمَذْكُورُ: هُوَ خَالِدٌ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مُبَاشَرَةً، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: " أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا "؟ قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا قَالَ: " بَلْ أَحْرِقْهُمَا ".

وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَالْمُعَصْفَرِ، وَعَنْ تَخْتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ " وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " نَهَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْقِرَاءَةِ وَأَنَا رَاكِعٌ، وَعَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ، وَالْمُعَصْفَرِ " وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْهُ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ " انْتَهَى مِنْهُ.

فَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ صَحَابِيَّيْنِ جَلِيلَيْنِ، وَهُمَا عَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - صَرِيحٌ فِي مَنْعِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: " إِنَّهُمَا مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ، فَلَا تَلْبَسْهُمَا " صَرِيحٌ فِي مَنْعِ لُبْسِهِمَا ; لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ كَمَا تَقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ هُنَا أَنَّهُ رَتَّبَ النَّهْيَ عَنْهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ، وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَنْعِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ مُطْلَقًا فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: " بَلْ أَحْرِقْهُمَا " فَهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَنْعِ لُبْسِهِمَا ; لِأَنَّ لُبْسَ الْجَائِزِ لُبْسُهُ، لَا يَسْتَوْجِبُ الْإِحْرَاقَ بِحَالٍ، فَهُوَ نَصٌّ فِي مَنْعِ الْمُعَصْفَرِ مُطْلَقًا، وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ، وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ " الْحَدِيثَ. دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى مَنْعِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، إِلَّا لِدَلِيلٍ صَارِفٍ عَنْهُ، وَلَيْسَ مَوْجُودًا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِالتَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَةَ آنِفًا فِي مُسْلِمٍ: " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ": تَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِعَلِيٍّ ; لِأَنَّهُ قَالَ: نَهَانِي بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، مَرْدُودٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو عُمُومَ هَذَا الْحُكْمِ، حَيْثُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: " إِنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ، فَلَا تَلْبَسْهُمَا " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015