يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُومِي غَيْرَ صَاغِرَةٍ ... ضُمِّي إِلَيْكَ رِحَالَ الْقَوْمِ وَالْقُرُبَا

يَعْنِي: ضُمِّي إِلَيْكَ رِحَالَهُمْ وَسِلَاحَهُمْ، فِي أَوْعِيَتِهِ.

وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ: اسْتَدَلَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ دَخَلُوا مَكَّةَ مُحْرِمِينَ عَامَ سَبْعٍ وَهُمْ مُتَقَلِّدُو سُيُوفِهِمْ فِي أَغْمَادِهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ لِعِلَّةِ خَوْفِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُوثَقُ بِعُهُودِهِمْ.

وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَلِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ تَقَلَّدُوهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا حَمَلُوا السِّلَاحَ مَعَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ فِي أَوْعِيَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنَّ يَتَقَلَّدُوهُ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ، فَلَا حُجَّةَ فِي الْأَحَادِيثِ عَلَى تَقَلُّدِ الْمُحْرِمِ حَمَائِلَ السَّيْفِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الْفَرْعُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَدْ بَيَّنَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِسَبَبِ إِحْرَامِهِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنَ الطِّيبِ، وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ مَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ.

اعْلَمْ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَحْمَدَ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ أَنْ يُطَيِّبَ جَسَدَهُ كُلَّهُ أَوْ عُضْوًا مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إِنْ فَعَلَهُ قَصْدًا يَأْثَمُ بِهِ، وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إِلَّا إِذَا طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا، مِثْلَ الرَّأْسِ، وَالْفَخِذِ، وَالسَّاقِ، فَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَهِيَ عِنْدَهُمْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ، كَتَمْرٍ وَشَعِيرٍ. وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ الْمَحْظُورَ، كَاللِّبَاسِ، وَالتَّطَيُّبِ، لَا لِعُذْرٍ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَتُجْزِئُهُ شَاةٌ وَإِنْ فَعَلَهُ لِعُذْرٍ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ الْأَذَى الْمَذْكُورَةُ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ، عَلَى التَّخْيِيرِ، وَإِنْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ طِيبًا كَثِيرًا: لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ: تَجِبُ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ إِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ لَزِمَهُ بِحَسَبِهِ مِنَ الدَّمِ فَإِنْ طَيَّبَ ثُلُثَ الْعُضْوِ، فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دَمٍ مَثَلًا، وَهَكَذَا، وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ إِنْ طَيَّبَ رُبُعَ عُضْوٍ: لَزِمَهُ الدَّمُ كَامِلًا كَحَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ كَحَلْقِ جَمِيعِهِ. وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي تَطْيِيبِ بَعْضِ الْعُضْوِ عِنْدَهُمْ. وَظَاهِرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015