وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةَ، وَعَلْقَمَةَ، وَسَالِمٍ، وَطَاوُسٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْوَطْءَ فِي الْفَرَجِ ; لِأَنَّهُ أَغْلَظُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَيُفْسِدُ النُّسُكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ، وَالطِّيبَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْوَطْءِ فَأَشْبَهَ الْقُبْلَةَ، وَعَنْ عُرْوَةَ: أَنَّهُ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا يَتَطَيَّبُ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْمُغْنِي.
وَإِذَا عَرَفْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَهَذِهِ تَفَاصِيلُ أَدِلَّتِهِمْ.
أَمَّا حُجَّةُ مَالِكٍ فِي أَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحِلُّ بِهِ مَا سِوَى النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَالطِّيبِ: أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّيْدِ، فَلَمْ أَرَ لَهُ مُسْتَنَدًا مِنَ النَّقْلِ، إِلَّا أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَثَرٌ مَرْوِيٌّ عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ: ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ. لِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ فَحَدِيثُهُ عَنْهُ مُنْقَطِعٌ وَمُرْسَلٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالثَّانِي: التَّمَسُّكُ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [5 \ 95] لِأَنَّ حُرْمَةَ الْجِمَاعِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ إِحْرَامِهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيَشْمَلُهُ عُمُومُ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ حُكْمُ إِحْرَامِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، لَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ.
وَأَمَّا حُجَّتُهُ أَعْنِي مَالِكًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النِّسَاءِ وَالطِّيبِ، فَهِيَ مَا رَوَى فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ نَافِعٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ بِعَرَفَةَ، وَعَلَّمَهُمْ أَمْرَ الْحَجِّ، وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: إِذَا جِئْتُمْ مِنًى، فَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَى الْحَاجِّ إِلَّا النِّسَاءَ، وَالطِّيبَ لَا يَمَسَّ أَحَدٌ نِسَاءً، وَلَا طِيبًا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ اهـ.
وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَالِكٍ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ: حَدَّثَنَا أَبُو