عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنْبَأَ زَيْدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، وَالصُّبْحَ بِمِنًى، ثُمَّ يَغْدُوَ إِلَى عَرَفَةَ، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاءَ، وَالطِّيبَ حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ اهـ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ.
هَذَا هُوَ حَاصِلُ حُجَّةِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي أَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحِلُّ بِهِ، مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ، وَالطِّيبَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الطِّيبَ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ لَا حَرَامٌ.
وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ إِنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحَلَقَ: حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ: كَأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا، فَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَفِي لَفْظٍ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ. قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَلْفَاظًا مُتَعَدِّدَةً مُتَقَارِبَةً مَعْنَاهَا وَاحِدٌ.
مِنْهَا قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ بِأَطْيَبِ مَا وَجَدْتُ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ. قَالَ رَجُلٌ: وَالطِّيبُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا أَنَا فَقَدَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ، أَفَطِيبٌ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا: وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُرَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، إِلَّا أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَغَيْرَهُ، قَالُوا: يُقَالُ: إِنَّ الْحَسَنَ الْعُرَنِيَّ لَمْ يَسْمَعِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ: أَنَّ حَدِيثَ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ الْمَذْكُورَ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُمَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَضَمَّخُ بِالْمِسْكِ. وَقَالَ