الْحَصَى مِنْ مَنْزِلِهِ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلًا يَشْتَغِلُ عَنِ الرَّمْيِ بِلَقْطِهِ إِذَا أَتَى مِنًى، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إِنْ أَخَذَ الْحَصَى مِنْ غَيْرِ الْمُزْدَلِفَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ; لِأَنَّ اسْمَ الْحَصَى يَقَعُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الْفَرْعُ الثَّامِنُ: اعْلَمْ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الْحَصَى الَّذِي يَرْمِي بِهِ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ ; لِأَحَادِيثَ وَارِدَةٍ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا حَصَى الْخَذْفِ الْحَدِيثَ.
قَالَ فِي اللِّسَانِ: وَالْخَذْفُ رَمْيُكَ بِحَصَاةٍ، أَوْ نَوَاةٍ تَأْخُذُهَا بَيْنَ سَبَّابَتَيْكَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: الْخَذْفُ بِالْحَصَى الرَّمْيُ بِهِ بِالْأَصَابِعِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: " خَذْفُ أَعْسَرَا " اهـ مِنْهُ، وَالشَّاعِرُ امْرُؤُ الْقَيْسِ وَتَمَامُ الْبَيْتِ:
كَأَنَّ الْحَصَى مِنْ خَلْفِهَا وَأَمَامِهَا ... إِذَا نَجَلَتْهُ رِجْلُهَا خَذْفُ أَعْسَرَا
الْفَرْعُ التَّاسِعُ: اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ، وَخَالَفَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْجُمْهُورَ فَقَالَ: هُوَ رُكْنٌ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّمْيِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَاهَا، وَقَالَ " لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ "، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ "، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: " لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ ".
الْفَرْعُ الْعَاشِرُ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرْمَى مِنَ الْجَمَرَاتِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَّا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ.
الْفَرْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي مَوْقِفِ مَنْ أَرَادَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَنْ يَقِفَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَتَكُونَ مِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَمَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ كَمَا دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَذَلِكَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٌ، وَعَطَاءٌ، وَنَافِعٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَرُوِّينَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَافَ الزِّحَامَ فَرَمَاهَا مِنْ فَوْقِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ
اعلم أنه إذا رمى الجمرة يوم النحر وحلق فقد تحلل التحلل الأول، وبه يحل كل شيء كان محظوراً بالإحرام إلا النساء. وعند مَالِكٌ: إِلَّا النِّسَاءَ، وَالصَّيْدَ، وَالطِّيبَ، فَإِنْ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَكَانَ قَدْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، أَوْ سَعَى بَعْدَ إِفَاضَتِهِ فَقَدْ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الثَّانِيَ، وَبِهِ يَحِلُّ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ مَحْظُورًا بِالْإِحْرَامِ، حَتَّى النِّسَاءُ، وَالصَّيْدُ، وَالطِّيبُ.