وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:

يَا لَيْتَنِي قَدْ أَجَزْتُ الْحَبْلَ نَحْوَكُمُ ... حَبْلَ الْمُعَرَّفِ أَوْ جَاوَزْتُ ذَا عَشَرِ

وَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا الدَّالُ عَلَى الرِّفْقِ، وَعَدَمِ الْإِسْرَاعِ، وَمَا جَاءَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ يُفَسِّرُهُ حَدِيثُ أُسَامَةَ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةَ نَصَّ» ، وَالْعَنَقُ بِفَتْحَتَيْنِ: ضَرْبٌ مِنَ السَّيْرِ دُونَ النَّصِّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

يَا نَاقَ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحَا ... إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا

وَالنَّصُّ: أَعْلَى غَايَةِ الْإِسْرَاعِ، وَمِنْهُ قَوْلُ كُثَيِّرٍ:

حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ إِلَى مِنًى ... يَجُوبُ الْفَيَافِيَ نَصُّهَا وَذَمِيلُهَا

وَالْفَجْوَةُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا بِشَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ [18 \ 17] .

وَإِذَا عَلِمْتَ وَقْتَ إِفَاضَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَكَيْفِيَّةَ إِفَاضَتِهِ، فَاعْلَمْ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ فِي الطَّرِيقِ، فَبَالَ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ الصَّلَاةَ أَمَامَهُمْ. ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَأَسْبَغَ وُضُوءَهُ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ، وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ، حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» ، وَمَنْ فَعَلَ كَفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَصَابَ السُّنَّةَ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَأَمَّا مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَبِتْ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهِ إِلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ.

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ.

الثَّانِي: أَنَّهُ رُكْنٌ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ بِدُونِهِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَالْقَوْلُ: بِأَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ: مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015