فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ حَجُّهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَأَصْحَابُنَا: وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. انْتَهَى مِنْهُ.

وَمِمَّنْ قَالَ: بِأَنَّهُ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ خَمْسَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورُونَ: فَهُمْ عَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ: وَهُوَ مَذْهَبُ اثْنَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَلْقَمَةُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُحَمَّدَانِ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ يَقُولُونَ: إِنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِهَا تَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابَلٍ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ: بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَشْهُورٌ أَيْضًا، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ مِنْهُ، وَعَنْ عَطَاءٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهَا مَنْزِلٌ مَنْ شَاءَ نَزَلَ بِهِ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ، وَرَوَى نَحْوَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.

فَإِذَا عَلِمْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، فَهَذِهِ تَفَاصِيلُ أَدِلَّتِهِمْ، أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: بِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ: فَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَلْفَاظَ رِوَايَاتِهِ، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: «أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ وَلَوْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ أَنَّهُ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْوَاقِفَ بِعَرَفَةَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، قَدْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ قَطْعًا بِلَا شَكٍّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ صَحِيحٌ، وَدَلَالَتُهُ عَلَيْهِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ بِدَلَالَةِ الْإِشَارَةِ، وَمَعْلُومٌ فِي الْأُصُولِ أَنَّ دَلَالَةَ الْإِشَارَةِ، وَدَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ، وَدَلَالَةَ الْإِيمَاءِ، وَالتَّنْبِيهِ كُلُّهَا مِنْ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ مِنْ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ اخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015