لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا فَضِيلَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي خُصُوصِهِ شَيْءٌ بَلْ هُوَ كَسَائِرِ أَرْضِ عَرَفَةَ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَكُلُّ أَرْضِهَا سَوَاءٌ إِلَّا مَوْقِفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْوُقُوفُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَالْمَاوَرْدِيُّ مِنَ اسْتِحْبَابِ صُعُودِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ عُرَنَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَةَ، فَمَنْ وَقَفَ بِعُرَنَةَ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ وَمَا يُذْكَرُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ وُقُوفَهُ بِعُرَنَةَ يُجْزِئُ وَعَلَيْهِ دَمٌ خِلَافُ التَّحْقِيقِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ مَالِكٍ.

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ

لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إِنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَاسْتَحْكَمَ غُرُوبُهَا وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ أَفَاضَ مِنْهَا إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ الْآيَةَ [2 \ 199] . كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَقَدْ بَيَّنَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَيْفِيَّةَ إِفَاضَتِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ، فَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى:» أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ «، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ» ، الْحَدِيثَ، وَقَوْلُ جَابِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، يَعْنِي أَنَّهُ يَكُفُّهَا بِزِمَامِهَا عَنْ شِدَّةِ الْمَشْيِ، وَالْمَوْرِكُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُثْنِي الرَّاكِبُ رِجْلَهُ عَلَيْهِ قُدَّامَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ إِذَا مَلَّ مِنَ الرُّكُوبِ. وَضَبَطَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ: وَهُوَ قِطْعَةٌ أَدَمٍ يَتَوَرَّكُ عَلَيْهَا الرَّاكِبُ تُجْعَلُ فِي مُقَدِّمَةِ الرَّحْلِ شِبْهُ الْمِخَدَّةِ الصَّغِيرَةِ، وَقَوْلُهُ: وَيَقُولُ بِيَدِهِ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ؛ أَيْ: يَأْمُرُهُمْ بِالسَّكِينَةِ مُشِيرًا بِيَدِهِ، وَالسَّكِينَةُ: الرِّفْقُ وَالطُّمَأْنِينَةُ، وَقَوْلُ جَابِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ: هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَبْلِ فِي حَدِيثِهِ: الرَّمْلُ الْمُسْتَطِيلُ الْمُرْتَفِعُ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

وَيَوْمًا بِذِي الْأَرْطَى إِلَى جَنْبٍ مُشْرِفٍ ... بِوَعْسَائِهِ حَيْثُ اسْبَطَرَّتْ حِبَالُهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015