بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَاضَتْ سَعَتْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ نَفَرَتْ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُمَا قَالَتَا: إِذَا طَافَتِ الْمَرْأَةُ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ حَاضَتْ فَلْتَطُفْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ أَيْضًا: وَلِأَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَأَشْبَهَتِ الْوُقُوفَ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْمُغْنِي: وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا الطَّهَارَةُ مِنَ النَّجَاسَةِ وَلَا السِّتَارَةُ لِلسَّعْيِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَشْتَرِطْ لَهُ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ وَهِيَ آكَدُ فَغَيْرُهَا أَوْلَى.
الْفَرْعُ الثَّانِي: اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَشْتَرِطُونَ فِي السَّعْيِ التَّرْتِيبَ، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا، وَيَخْتِمَ بِالْمَرْوَةَ، فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَدَاوُدُ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ.
قَالَ صَاحِبُ تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ شَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ، فِي فِقْهِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَوْ بَدَأَ مِنَ الْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالْأُولَى لِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ الشِّلْبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ الْمَذْكُورِ: قَوْلُهُ: وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالْأُولَى. وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ: إِنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا، حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، وَأَتَى الصَّفَا جَازَ وَيُعْتَدُّ بِهِ، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لَتَرْكِ السُّنَّةِ. فَتُسْتَحَبُّ إِعَادَةُ ذَلِكَ الشَّوْطِ.
قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْغَايَةِ: وَلَا أَصْلَ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الشَّوْطَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ اهـ. فَقَوْلُ السُّرُوجِيِّ: لَا أَصْلَ لِمَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ ; فِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ: «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: «فَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَأْخُذَ عَنْهُ مِنْ مَنَاسِكِنَا الِابْتِدَاءَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَلًا بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ لَا يَصِحُّ، إِلَّا بَعْدَ طَوَافٍ،