الْمَذْكُورَةَ تُخَالِفُ الْقِرَاءَةَ الْمَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُتَوَاتِرَةَ، وَمَا خَالَفَ الْمُتَوَاتِرَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالنَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا نَقِيضَانِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ عَنِ الطَّبَرِيِّ، وَالطَّحَاوِيِّ، مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ: أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا زَائِدَةَ. انْتَهَى. وَلَا يَخْلُو مِنْ تَكَلُّفٍ كَمَا تَرَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [2 \ 158] لَا دَلِيلَ فِيهِ، عَلَى أَنَّ السَّعْيَ تَطَوُّعٌ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ ; لِأَنَّ التَّطَوُّعَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ رَاجِعٌ إِلَى نَفْسِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لَا إِلَى السَّعْيِ ; لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالسَّعْيِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ قَالَ: السَّعْيُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ، فَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بَيْنَهُمَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا نُسُكٌ، وَفِي الْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ.
فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ لَا تُشْتَرَطُ لَهُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ، وَلَا الْخَبَثِ، وَلَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَلَوْ سَعَى، وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ، أَوْ سَعَتِ امْرَأَةٌ وَهِيَ حَائِضٌ، فَالسَّعْيُ صَحِيحٌ، وَلَا يُبْطِلُهُ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ تَطَهَّرَ وَأَعَادَ السَّعْيَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَةً عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي السَّعْيِ، كَالطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَالطَّهَارَةُ فِي السَّعْيِ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمْ. وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ: هِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: أَنْ تَفْعَلَ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ، وَهِيَ حَائِضٌ إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ خَاصَّةً. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ، لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ طَوَافٍ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ مِنَ الطَّوَافِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ نَصٌّ فِي أَنَّ غَيْرَ الطَّوَافِ يَصِحُّ مِنَ الْحَائِضِ وَيَدْخُلُ فِيهِ السَّعْيُ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ، يَقُولُ: إِذَا طَافَتِ الْمَرْأَةُ