فَلَوْ سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ، مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَطَاءٍ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ يَصِحُّ، وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ عَطَاءٍ، وَدَاوُدَ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْعَ فِي حَجٍّ، وَلَا عُمْرَةٍ إِلَّا بَعْدَ الطَّوَافِ، وَقَدْ قَالَ «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَعَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ السَّعْيِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا فَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ، فَمَنْ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعَيْتُ، قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ، أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا، أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا، فَكَانَ يَقُولُ: لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ، فَذَلِكَ الَّذِي حَرَجَ وَهَلَكَ. انْتَهَى مِنْهُ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَعْرُوفُونَ. وَجَرِيرٌ الْمَذْكُورُ فِيهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ قُرْطٍ الضَّبِّيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ الْقَاضِي، وَالشَّيْبَانِيُّ الْمَذْكُورُ فِيهِ: هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ، وَرِجَالُ هَذَا الْإِسْنَادِ كُلُّهُمْ مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا الصَّحَابِيَّ، الَّذِي هُوَ أُسَامَةُ بْنُ شَرِيكٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَرَوَى عَنْهُ زِيَادُ بْنُ عَلَاقَةَ الْمَذْكُورُ، وَعَلِيُّ بْنُ الْأَقْمَرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا زِيَادٌ الْمَذْكُورُ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَنِ الْأَزْدِيِّ، وَسَعِيدُ بْنُ السَّكَنِ، وَالْحَاكِمُ، وَغَيْرُهُمْ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَقْتَضِي صِحَّةَ السَّعْيِ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّعْيُ، إِلَّا مَسْبُوقًا بِالطَّوَافِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ هَذَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صِحَّةَ الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ؛ أَيْ: سَعَيْتُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى مِنْهُ.

فَقَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ يَعْنِي: طَوَافَ الْإِفَاضَةِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ الَّذِي هُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ.

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ، عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ السَّعْيِ، أَنْ يَقْطَعَ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي كُلِّ شَوْطٍ، فَلَوْ بَقِيَ مِنْهَا بَعْضُ خُطْوَةٍ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السَّعْيِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ كُلَّهُ أَوْ تَرَكَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْهُ فَأَكْثَرَ لَصَحَّ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015