وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [3 \ 133] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [57 \ 21] ، فَقَوْلُهُ: وَسَارِعُوا وَقَوْلُهُ: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمُسَارَعَةِ وَالْمُسَابَقَةِ إِلَى مَغْفِرَتِهِ، وَجَنَّتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَذَلِكَ بِالْمُبَادَرَةِ وَالْمُسَابَقَةِ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسَارَعَةَ وَالْمُسَابَقَةَ كِلْتَاهُمَا عَلَى الْفَوْرِ لَا التَّرَاخِي، وَكَقَوْلِهِ: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ الْآيَةَ [2 \ 148] ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِاسْتِبَاقُ إِلَى الِامْتِثَالِ. وَصِيَغُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: وَسَارِعُوا وَقَوْلِهِ: سَابِقُوا، وَقَوْلِهِ: فَاسْتَبِقُوا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ; لِأَنَّ الصَّحِيحَ الْمُقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ، إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنِ الْقَرَائِنِ اقْتَضَتِ الْوُجُوبَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَرَاقِي بِقَوْلِهِ:

وَافْعَلْ لَدَى الْأَكْثَرِ لِلْوُجُوبِ. . إِلَخْ

وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [24 \ 63] وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [33 \ 36] فَصَرَّحَ جَلَّ وَعَلَا، بِأَنَّ أَمْرَهُ قَاطِعٌ لِلِاخْتِيَارِ، مُوجِبٌ لِلِامْتِثَالِ، وَقَدْ سَمَّى نَبِيُّهُ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُخَالَفَةَ الْأَمْرِ مَعْصِيَةً، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [20 \ 93] يَعْنِي قَوْلَهُ لَهُ: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [7 \ 142] وَإِنَّمَا قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ حَقِيقَةَ الْحَالِ، فَلَمَّا عَلِمَهَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [7 \ 151] وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ الْوُجُوبَ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا عَنَّفَ إِبْلِيسَ لَمَّا خَالَفَ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [7 \ 12] وَالنُّصُوصُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ: أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اسْقِنِي مَاءً، مَثَلًا، فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ فَأَدَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّ ذَلِكَ التَّأْدِيبَ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ ; لِأَنَّهُ عَصَاهُ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، فَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ: لَيْسَ لَكَ أَنْ تُؤَدِّبَنِي، لِأَنَّ أَمْرَكَ لِي بِقَوْلِكَ: اسْقِنِي مَاءً، لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ - لَقَالَ لَهُ أَهْلُ اللِّسَانِ: كَذَبْتَ، بَلِ الصِّيغَةُ أَلْزَمَتْكَ، وَلَكِنَّكَ عَصَيْتَ سَيِّدَكَ، فَدَلَّ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّ الشَّرْعَ وَاللُّغَةَ دَلَّا عَلَى اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ الْوُجُوبَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: سَابِقُوا وَقَوْلَهُ: وَسَارِعُوا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِ اللَّهِ فَوْرًا.

وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الثَّنَاءُ عَلَى الْمُبَادِرِينَ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِ رَبِّهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015