صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ". انْتَهَى مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، قَالُوا: هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ جَاءَ فِيهِ وُجُوبُ الْحَجِّ، وَقَدْ زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ قُدُومَ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ كَانَ عَامَ خَمْسٍ، قَالُوا: وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٍ فَقَالَ فِيهِ: بَعَثَ بَنُو سَعْدٍ ضِمَامًا فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ كَانَ مَفْرُوضًا عَامَ خَمْسٍ، فَتَأْخِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ إِلَى عَامِ عَشْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، لَا عَلَى الْفَوْرِ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَمَرَ الْمُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ أَنْ يَفْسَخُوهُ فِي عُمْرَةٍ " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا: أَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ الْحَجَّ مِنْ سَنَةٍ إِلَى أُخْرَى، أَوْ إِلَى سِنِينَ، ثُمَّ فَعَلَهُ ; فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُؤَدِّيًا لِلْحَجِّ لَا قَاضِيًا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، قَالُوا: وَلَوْ حَرُمَ تَأْخِيرُهُ لَكَانَ قَضَاءً لَا أَدَاءً.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي: مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُجَرَّدَ عَنِ الْقَرَائِنِ، لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِامْتِثَالُ الْمُجَرَّدُ. فَوُجُوبُ الْفَوْرِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ زَائِدٍ عَلَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ: أَنَّهُمْ قَاسُوا الْحَجَّ عَلَى الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ. قَالُوا: فَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي، وَيُقَاسُ الْحَجُّ عَلَيْهَا، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاجِبٌ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ فِي كَوْنِهِمَا عَلَى التَّرَاخِي، بِجَامِعِ أَنَّ كِلَيْهِمَا وَاجِبٌ، لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ: قَالُوا: وَلَكِنْ ثَبَتَتْ آثَارٌ: أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ غَايَةُ زَمَنِهِ مُدَّةُ السَّنَةِ. هَذَا هُوَ حَاصِلُ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَدِلَّةٍ، وَمَنَعُوا أَدِلَّةَ الْمُخَالِفِينَ.
فَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُفْهَمُ مِنْهَا ذَلِكَ، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
قِسْمٌ مِنْهَا فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَالثَّنَاءُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: يَدُلُّ عَلَى تَوْبِيخِ مَنْ لَمْ يُبَادِرْ، وَتَخْوِيفِهِ مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَمْتَثِلَ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اقْتَرَبَ أَجْلُهُ، وَهُوَ لَا يَدْرِي.
أَمَّا آيَاتُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَكَقَوْلِهِ: