إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ الْآيَةَ [21] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [23 \ 61] .

وَأَمَّا الْقِسْمُ الدَّالُّ عَلَى التَّخْوِيفِ مِنَ الْمَوْتِ قَبْلَ الِامْتِثَالِ الْمُتَضَمِّنِ الْحَثَّ عَلَى الِامْتِثَالِ: فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَمَرَ خَلْقَهُ أَنْ يَنْظُرُوا فِي غَرَائِبِ صُنْعِهِ وَعَجَائِبِهِ، كَخَلْقِهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [10 \ 101] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [50 \ 6] ، وَقَوْلِهِ: أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [88 \ 17 - 20] . ثُمَّ ذَكَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ النَّظَرَ مَعَ لُزُومِهِ يَجِبُ مَعَهُ النَّظَرُ فِي اقْتِرَابِ الْأَجَلِ، فَقَدْ يَقْتَرِبُ أَجَلُهُ وَيَضِيعُ عَلَيْهِ أَجْرُ الِامْتِثَالِ بِمُعَالَجَةِ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [7 \ 185] إِذِ الْمَعْنَى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي أَنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَجَلُهُمْ قَدِ اقْتَرَبَ، فَيَضِيعُ عَلَيْهِمُ الْأَجْرُ بِعَدَمِ الْمُبَادَرَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ، عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُعَالِجَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ، أَحَادِيثُ جَاءَتْ دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ، إِلَّا أَنَّهَا تَعْتَضِدُ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَهَا.

مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ أَبُو إِسْرَائِيلَ الْمُلَائِيِّ، عَنْ فُضَيْلٍ، يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ " يَعْنِي الْفَرِيضَةَ. فَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: تَعَجَّلُوا، يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ نَقَلَ حَدِيثَ أَحْمَدَ هَذَا الْمُجِدُّ فِي الْمُنْتَقَى بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ عَلَى عَادَتِهِ، فَقَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ " - يَعْنِي الْفَرِيضَةَ - " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. انْتَهَى مِنْهُ.

وَقَدْ سَكَتَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَيْضًا شَارِحُهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ، وَظَاهِرُ سُكُوتِهُمَا عَلَيْهِ: أَنَّهُ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ عِنْدَهُمَا، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ صَلَاحِيَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِانْفِرَادِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015