الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: في قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم؛ ولتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل.
جميع الأمم يعترفون لأمة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بالفضل، ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب، كما قال الله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ} [الحج:78] أي: اصطفاكم من بين الخلق: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج:78].
قال الإمام أحمد: عن أبي سعيد الخدري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته.
قال: فذلك قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: والوسط: العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم) وكذلك رواه البخاري.
ومن طريق أبي سعيد: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم.
فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم.
يا رب! فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]، قال: عدلاً).
عن جابر بن عبد الله الأنصاري: (شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني مسلمة، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: والله يا رسول الله! لنعم المرء كان -يعني: هذا الميت كان نعم المرء- لقد كان عفيفاً مسلماً وكان وكان وكان، وأثنوا عليه خيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت بم تقول -يعني: احذر أيها القائل! لأنك مرهون بقولك يوم القيامة- فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم شهد جنازة في بني حارثة، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: يا رسول الله! بئس المرء كان، إن كان لفظاً غليظاً، فأثنوا عليه شراً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لبعضهم: أنت بالذي تقول، فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت).
قال مصعب بن ثابت: فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].
وفي مسند أحمد من طريق أبي الأسود الدؤلي أنه قال: (أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع بها مرض، فهم يموتون موتاً ذريعاً -أي: سريعاً كثيراً- فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمرت به جنازة، فأثني على صاحبها خيراً فقال: وجبت، ثم مر بأخرى فأثني عليها شراً، فقال عمر: وجبت، فقال أبو الأسود: يا أمير المؤمنين! ما وجبت؟ قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة.
قال: فقلنا: وثلاثة؟ فقال: وثلاثة، فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد)، وكذلك رواه البخاري والترمذي والنسائي.
وعن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم، قالوا: يا رسول الله! بم؟ قال: بالثناء الحسن والثناء السيئ، أنتم شهداء الله في الأرض).
وعند مسلم من حديث أنس بنصه، وعند البخاري بمعناه: (