وكذلك القصاص شرط على اليهود لابد أن يفعلوه، لا يحل لصاحب المظلمة أن يتنازل، والتسامح شرط على النصارى لا يحل لأحدهم أن يأخذ قصاصاً ولا دية.
وأما نحن أمة الإسلام في مجموعها وفي كتاب ربها وسنة نبيها، فإنها مخيرة بين القصاص وبين الدية وبين العفو: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178]، وأما المؤمنون فكما نعتهم الله عز وجل في قوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]، فذنبك يا عبد الله مهما عظم شيء، ورحمة ربك وسعت كل شيء: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:156 - 157].
فلهذه الأمة من الدين أكمله، ومن الأخلاق أجلها، ومن الأعمال أفضلها، ووهبهم الله تعالى من العلم والحلم والعدل والإحسان ما لم يهبه لأمة من الأمم، فلذلك كانوا أمة وسطاً، وهذا بيان لوسطية الأمة في مجموع الأمم السبعين من قبلها، وقد رأيتم محاسن الدين فيما ذكرنا.
أسأل الله تعالى أن يغفر لي ولكم.