هناك موضوع في غاية الحساسية والأهمية، وهو اعتقادنا أن المعصومين فقط هم الأنبياء والمرسلون، وهذا يدل على أن من دونهم ليس معصوماً، ومن دون الأنبياء هم الصحابة، ومن باب أولى من أتى بعد الصحابة من التابعين وأتباع التابعين، ولذلك قرر مالك هذه القاعدة في عقيدة أهل السنة والجماعة.
قال: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا كلام صريح فيما يتعلق بنفي العصمة عن كل أحد ليس نبياً ولا رسولاً، فإذا كنا نعتقد ذلك لابد أن نقول بتجويز الخطأ على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وتجويز الذنب، كيف لا ومنهم من وقع في السرقة، ومنهم من وقع في الزنا، وأقيم عليهم الحد فتطهروا فتابوا إلى الله عز وجل، وهذا فارق جوهري بين وقوع صاحب رسول الله في ذنب، ووقوع عامة الأمة في الذنوب والمعاصي، أن الصاحب يبادر إلى إقامة الحد عليه، وإلى التوبة ولزوم الاستغفار، بخلاف غيرهم إذ تأخذ الواحد منهم الغفلة حتى يباغته الموت.
فإذا كان الأمر كذلك فالنزاع والشجار وقعا بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فما عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بالنزاعات والخلافات التي وقعت بين هؤلاء القوم الأفاضل؟ عقيدتهم باختصار الكف عما شجر بينهم، وعدم ذكر مساويهم قط، إلا إذا اضطر عالم إلى ذلك، واعتقاد أن لهم من الفضل والعلم والجهاد والنصرة والتأييد والعبادة ما يكفر جبالاً من الخطايا والذنوب، وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن ما وقع من النزاع بين الصحابة لم يقع عن هوى، إنما وقع عن اجتهاد، ولا يلزم أن يعتقد كل واحد منهم أنه محق فيما هو عليه، فأنت أنت إنما تفعل الفعل اليوم بظن منك واجتهاد أن هذا حق، وأن هذا فيه مرضاة لله عز وجل، ثم تبادر إليك بالغد أنك كنت على الباطل الذي ليس بعده باطل، فأولى بصاحب رسول الله أن يكون أسلم اجتهاداً منك.
فوقع الاجتهاد بين معاوية وعلي رضي الله عنهما، فقامت الحروب بينهما، والحق كان في جانب علي رضي الله عنه، لكن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر) فـ معاوية رضي الله عنه وعن أبيه كان متأولاً في خلافه مع علي رضي الله عنه، فهو مأجور عند الله، فالمأجور عند الله لا يستحق أن تطلق فيه الألسنة بالسب والشتم والتنقص وغير ذلك من سائر السفاسف والسفالات التي تصدر من ألسنة وأفواه بعض الخلق.
فلابد من سلامة صدورنا جميعاً نحو جميع أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وامتلاء هذه القلوب بالحب والتقدير والتعظيم والتبجيل لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، كما يلزمنا سلامة ألسنتنا وكفها عن الوقيعة في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأعظم بقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى -وهو أشبه أن يكون خليفة راشداً كالخلفاء الراشدين- لما طلب منه أن يتكلم في الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما قال: فتنة طهر الله منها سيوفنا فلم لا نطهر منها ألسنتنا؟ رضي الله عنه ورحمه.