بعض الناس يقول في عدة المرأة: إن حكمتها وعلتها استبراء الرحم، وبيان هل في الرحم حمل أم لا؟
صلى الله عليه وسلم أن هذا يتبين بحيضة واحدة، فلماذا جعلت العدة لمن تحيض ثلاث حيضات، مع أن براءة الرحم تظهر بحيضة واحدة بعد الطلاق، ثم المرأة هي المرأة، والرحم هو الرحم عند الأمة والحرة، فلماذا جعل الشرع عدة الحرة ثلاث حيضات، وجعل للأمة حيضتين؟ ولماذا جعل الله تبارك وتعالى العدة ثلاثة قروء لمن تحيض، وثلاثة أشهر لمن أيست من المحيض أو الصغيرة المقدور على جماعها والتي لم تبلغ سن الحيض بعد، ولكنها تزوجت قبل الحيض؟ مع أن المرأة التي أيست من المحيض إذا اعتدت بالأشهر فأدركها الحيض أو أتتها حيضة في أثناء أشهرها ولو في الشهر الثالث انقلبت العدة في حقها من الأشهر إلى القروء، ولزمها أن تمكث حيضتين أخريين بعد حيضتها التي أدركتها في الشهر الثاني.
المرأة الحامل تعتد وعدتها وضع الحمل، هب أن امرأة حاملاً توفي عنها زوجها، المعلوم أن عدة المرأة التي توفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، بعض الناس قالوا: هذا لحرمة الزوج، ولعدم جرح أولياء الميت، فلزم المرأة أن تنتظر أربعة أشهر وعشراً، على أية حال ربما تكون هي الحكمة، لكننا لا نعتمد عليها، بل نقول: إن هذا مردود بأن المرأة لو توفي عنها زوجها وهي حامل، ووضعت حملها وزوجها على فراشه بعد أن مات وقبل أن يدفن حل لها أن تتزوج، فأين الأربعة أشهر وعشراً؟ إنما الأربعة أشهر وعشراً للمرأة التي مات عنها زوجها وهي غير حامل، أما الحامل فعدتها وضع الحمل وإن كان لحظة واحدة، لو أن الرجل شخص بصره إلى السماء ولفظ أنفاسه ثم وضعت المرأة حملها ولا يزال الرجل على السرير، جاز لمن أدرك الرجل قبل أن يدفن أن يتزوج هذه المرأة، فأين الأربعة أشهر وعشراً؟ أين خاطر الأولياء؟ لابد من التسليم وعدم الاعتماد على العلة والحكمة، فأحياناً تظهر وأحياناً لا تظهر، وهل أنت لا تؤمن بما في كتاب الله ولا بما في سنة النبي عليه الصلاة والسلام إلا إذا بانت لك العلة وظهرت لك الحكمة؟ إذاً أنت لا تعبد إلا نفسك، فالجانب التعبدي في الإسلام وفي دين الله عز وجل كبير جداً، فالشريعة الإسلامية في عمومها فيها ما يوافق أهل العقل والحجى والحكمة، لكن الجانب التعبدي كبير جداً كذلك، فإن مواقيت الصلاة، وأعداد الركعات من الأمور التعبدية، هل يمكن أن تقول لله عز وجل: لماذا جعلت المغرب ثلاثاً والظهر أربعاً والصبح اثنتين؟ وما هي الحكمة في ذلك؟ إذا كنت لا تؤمن بأمر إلا إذا ظهرت حكمته لك، فقل لي بربك: ما حكمة توقيت الصلاة في هذه المواقيت بالذات وأعداد الصلوات؟ نعم لها حكمة، لكن لا يعلمها إلا الخبير اللطيف سبحانه وتعالى.
وكذلك كون الزكاة في بعض الأموال دون جميعها، وجعل النصاب في الغنم غير البقر غير الإبل غير الزروع غير الثمار، فكل له مقدار وله توقيت، فزكاة المال 2.
5% إذا حال عليه الحول وبلغ النصاب، ربما يقول قائل: لماذا 2.
5 بالذات، لِمَ لمْ يكن 2 فقط، أو 3 أو 5؟ أقول: آمنت بالله وصدقت النبي عليه الصلاة والسلام.
وكذلك أعمال الحج من طواف وسعي وتقبيل للحجر والوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة ومنى ورمي الجمار، كلها أعمال تعبدية، ولذلك تحرج عمر رضي الله عنه من تقبيل الحجر الأسود، ولولا أنه رأى النبي عليه السلام يقبله ما قبله؛ لأن عمر أمر بما أمر الله تعالى به ورسوله، لذا يسمع ويطيع وإن كان الأمر فوق المعقول، يقول عمر: والله لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك، وهذا إيمان من عمر.
كما أن العقوبات والحدود الشرعية أمور تعبدية، لا يمكن أن يقال لله: لمَ، وكيف؟ فعقوبة الزاني المحصن تختلف عن غير المحصن، عقوبة الزنا غير عقوبة السرقة، عقوبة السرقة غير عقوبة قطع الطريق، فالله عز وجل رتب لكل عقوبة حداً معيناً، لا يجوز لأحد أن يعترض على الله، بل نقول: سمعاً وطاعة لله عز وجل، ولذلك جعل الله عز وجل عقوبة السرقة قطع اليد، لكن ليست أي سرقة، سرقة من حرز وربع دينار فصاعداً، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا قطع في أقل من ربع دينار فصاعداً)، أما أقل من ربع دينار فيعزر السارق، وربع دينار فصاعداً يحد حداً، وتقطع يده من الرسغ، أي: تقطع كفه اليمنى، فإذا سرق ثانية قطعت كفه اليسرى، أما إذا عتدى أحد عليك فقطع يدك، فالدية خمسمائة دينار، فلماذا لا تكون ربع دينار؟ لأن العقل يقول هذا، ولذلك بعض الملاحدة قال: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار يعترض على الله عز وجل، يقول: هي ديتها خمسمائة دينار، فلماذا تقطع في ربع دينار؟ إما أن تكون ديتها ربع دينار أو أنها لا تقطع إلا إذا سرقت خمسمائة دينار فصاعداً، فرد عليه المؤمن الموحد وقال: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت، فافهم حكمة الباري.
لما كانت أمينة واعتدي عليها استحقت دية عظيمة خمسمائة دينار، فلما خانت ومدت يدها لأموال الناس بغير حق وسرقت هانت.