أيها الإخوة! إن تكذيب قدر الله عز وجل كفر، ورد الأمر على الله عز وجل كذلك كفر، والعبودية الحقة لله عز وجل هي: طاعة الأمر فيما عقل معناه وفيما لم يعقل.
كثير من الناس الآن يقولون: حديث الذبابة الذي أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وقعت ذبابة في شراب أحدكم فليغمسها وليشرب الشراب، فإن في إحدى جناحيها داء وفي الآخر دواء).
كثير من الناس رد هذا الخبر، لا لأن إسناده منقطع، ولا لأنه شاذ أو منكر، ولا لأن رواته ليسوا عدولاً ولا ضابطين -وهذه معايير ثبوت الرواية- إنما قالوا: هذا الحديث غير معقول ألبتة، عرضناه على عقولنا فلم تقبله، نقول لهم: النقل صحيح يجب التسليم له، والنقل ثابت شئتم أم أبيتم، ويلزمكم الإيمان به، أما عقولكم فينبغي لكم أن تلغوها هنا تماماً؛ لأنها قصرت عن فهم النص مع ثبوته، هذا الذي عنيته بالعقل، وهو العقل الباطل السفيه الذي يقف محاداً لله ولرسوله، فأقول بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا وقعت الذبابة في شراب أحدكم فليغمسها في الماء؛ لأن في إحدى جناحيها داء وفي الآخر دواء)، وهو لا يدري لما سقطت سقطت بأي الجناحين، فإن كانت سقطت بجناح الشر فجناح الخير يطيب هذا الشر، وينقى الشر من الشراب، وإذا سقطت بجناح الخير فإن جناح الشر لا يؤثر فيه، فتكون بذلك قد عملت بالحديث، ولم تعمل فيه عقلك؛ لأنك هنا غير مكلف بإعمال العقل، وإنما أنت مكلف بالطاعة والسمع والامتثال والانقياد والذل والإذعان والخضوع والإيمان والتسليم المطلق لله عز وجل، وهذا عنوان إيمانك وعنوان إسلامك.
فالعبودية الحقة لله عز وجل هي طاعة الأمر فيما عقل معناه وفيما لم يعقل معناه، صغيراً أو كبيراً، وافق معقولاً أو خالفه؛ لأن الرب سبحانه وتعالى أعلم بما يأمر به وينهى عنه، والعبد الذي حقق العبودية لله عز وجل تمام التحقيق هو الذي أطاع معبوده دون تردد ولا شك ولا ريب، ولا توقف ولا
Q لم، وكيف؟ لم أمر الله بكذا؟ وكيف يأمر الله تعالى بكذا؟ وكيف ينهى عن كذا؟ وإذا كان العبد لا يطيع الله إلا فيما وافق هواه وعقله لكان المعبود بحق هو الهوى والعقل، لو كنت لا تطيع الله إلا فيما وافق عقلك، فلابد أن تعلم أنك تعبد عقلك ولا تعبد الله تبارك وتعالى على الحقيقة، وربما ذهبت لتطيع عقلك وهواك فوقعت في المهالك والفواحش، كما قال الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة:216].