عاداه مولاه من أجله وطنا , أم كيف طاوعه قلبه على الاصطبار , ووافقه على مساكنة الأغيار.
فيا معرضا عن حياته الدائمة ونعيمه المقيم , ويا بائعا سعادته العظمى بالعذاب الأليم ويا مسخطا من حياته وراحته وفوزه فى رضاه , وطالبا رضى من سعادته فى إرضاء سواه , إنما هى لذة فانية وشهوة منقضية تذهب لذاتها وتبقى تبعاتها , فرح ساعة لا شهر , وغم سنة بل دهر , طعام لذيذ مسموم أو له لذة وآخره هلاك , فالعامل عليها والساعى فى تحصيلها كدودة القز يسد على نفسه المذاهب بما نسج عليها من المعاطب , فيندم حين لا تنفع الندامة , ويستقيل حين لا تقبل الاستقالة.
فطوبى لمن أقبل على الله بكليته وعكف عليه بإرادته ومحبته , فإن الله يقبل عليه بتوليه ومحبته وعطفه ورحمته , وأن الله - سبحانه - إذا أقبل على عبد استنارت جهاته , وأشرقت ساحاته , وتنورت ظلماته , وظهرت عليه آثار إقباله من بهجة الجلال وآثار الجمال , وتوجه إليه أهل الملإ الأعلى بالمحبة والموالاة لأنهم تبع لمولاهم , فإذا أحب عبدا أحبوه , وإذا والى وليا والوه , إذا أحب الله العبد نادى: يا جبرائيل إنى أحب فلانا فأحبه , فينادى جبرائيل فى السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه , فيحبه أهل السماء ثم يحبه أهل الأرض , فيوضع له القبول بينهم , ويجعل الله قلوب أوليائه تفد إليه بالود والمحبة والرحمة , وناهيك بمن يتوجه إليه مالك الملك ذو الجلال والإكرام بمحبته , ويقبل