أحدهما: وجوب النصب وهي لغة الحجازيين، والإعراب على لغتهم ما: نافية. وفي الدار: جار ومجرور متعلق بمحذوف لأنه خبر مقدم للمبتدأ وهو "أحد" المرفوع. وإلا: أداة استثناء. وحمارًا: مستثنى مع أنه مستثنى منقطع إلا أنه عندهم منصوب على الاستثناء.
والآخر: جواز الإتباع بأن يكون المستثنى تابعًا للمستثنى منه؛ رفعًا أو نصبًا أو جرًّا، وهي لغة تميم، والإعراب عندهم. ما: نافية. وفي الدار: جار ومجرور خبر مقدم. وأحد: مبتدأ مؤخر. وإلا: أداة استثناء. وحمار: بالرفع بدل من أحد المستثنى منه المرفوع.
فالمستثنى هو تابع للمستثنى منه على البدلية ولكلٍّ وجهٌ، فقد أوجب الحجازيون النصب؛ لأنه لا يصح الإبدال فيه حقيقةً من جهة أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، وقد قال سيبويه في (الكتاب): "وكرهوا أن يُبدلوا الآخر من الأول، فيصير كأنه من نوعه؛ فحُمِلَ على معنى: ولكنَّ، وعمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم". انتهى.
وأجاز بنو تميم الإتباعَ، والباعثُ عليه واحد من ثلاثة: إما الحمل على المعنى؛ لأن المقصود هو المستثنى فالقائل: ما في الدار أحد إلا حمار، بالرفع على لغة بني تميم، كأنه أراد: ما في الدار إلا حمار، وأُدخلت أحد توكيدًا، وإما أنهم جعلوا الحمار من جنس أحد على سبيل المجاز، وإما أنهم خلطوا من بعض ما يعقل بما لا يعقل فغلَّبوا مَن يعقل، فقالوا: ما فيها أحد. وهم يريدون من يعقل ومن لا يعقل ثم أبدلوا من أحد على هذا التأويل، واللغتان متقاربتان فلا يجوز ردُّ إحداهما بالأخرى؛ لأن سعة القياس تُبيح لهم ذلك ولا تحظره عليهم.