العمل وهو الاختصاص، إذ تقرر أن غير المختص لا يعمل كحروف الاستفهام، فإنه يقع بعدها الاسم والفعل؛ فلا تختص بأحدهما دون الآخر.
وكذلك "ما" فإنها تدخل على الأسماء والأفعال، فالأصل ألا تعمل، ولذلك وصف سيبويه في (الكتاب) وصف إهمالها بأنه هو القياس فلما كانت اللغتان -لغة الإعمال ولغة الإهمال- متقاربتين؛ لم يجز ردُّ إحداهما بالأخرى، وإنما نقدم إحدى اللغتين على الأخرى، مع اعتقادنا أن اللغة الأخرى صحيحة فصيحة فنقول: إن لغة الحجازيين في إعمال "ما" هي المقدمة وهي العليا التي نزل بها القرآن الكريم قال تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} (يوسف: 31) فـ"ما" في الآية الكريمة يقال: إنها نافية، وإنها بمعنى ليس، وتعمل عمل ليس، واسم الإشارة اسمها في محل رفع، و {بَشَرًا} خبرها منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وقال -عز وجل-: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (المجادلة: 2) فـ"ما" هي ما النافية الحجازية التي تعمل عمل ليس، والضمير: {هُنَّ} في محل رفع؛ لأنه اسمها، وأمهاتي من: {أُمَّهَاتِهِمْ}؛ لأنه جمع مؤنث سالم منصوب؛ لأنه خبرها، وعلامة نصبه الكسرة؛ لأن هذه العلامة هي العلامة التي تكون علامة لنصب جمع المذكر السالم. وأمهات مضاف وهم مضاف إليه.
وإنما قُدمت لغة الحجازيين؛ لكثرة استعمالها وشيوع المسموع بها؛ لأنه إذا تعارض قوَّة القياس وكثرة الاستعمال قُدِّم ما كَثُر استعماله، كما جاء في (الخصائص).
والمثال الثاني: حكم الاستثناء المنقطع، والمراد بالاستثناء المنقطع: هو ما كان المستثنى فيه من غير جنس المتستثنى منه، وذلك نحو: ما في الدار أحد إلا حمارًا، فحمارًا هو المستثنى وليس من جنس المستثنى منه، وللعرب في هذا النوع من الاستثناء مذهبان: