أحدهما: أن يكون الاختلاف بين لغتين متقاربتين يقبلهما القياس.

والآخر: أن يكون الاختلاف بين لغتين متباعدتين بأن تكون إحداهما قليلة جدًّا، والأخرى تكون كثيرة جدًّا، ولكلٍّ حكم.

أولًا: الاختلاف بين لغتين متقاربتين:

إن كان الاختلاف بين لغتين متقاربتين، وكان القياس يقبلهما، فقد بيَّن ابن جني الحكم في هذه الحالة فقال: "ليس لك أن تردَّ إحدى اللغتين بصاحبتها؛ لأنها ليست أحق بذلك من رسيلتها، لكن غاية ما لك في ذلك أن تتخيَّر إحداهما فتقويِّها على أختها، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها، وأشدّ أُنسًا بها. فأما ردُّ إحداهما بالأخرى فلا". ومعنى ما قاله ابن جني: أن اللغتين المتقاربتين اللتين يقبلهما القياس يجب قبولهما، ولا يجوز ردُّ إحداهما بالأخرى مع اختيار واحدة منهما؛ لأنه لا يمكن الجمع بينهما في وقت واحد.

ونسوق هنا مثالين يدلَّان على هذه القاعدة:

المثال الأول: إعمال "ما" وإهمالُها، فللعرب في ذلك مذهبان:

أحدهما: إعمال ما عمل ليس فترفع المبتدأ اسمًا لها، وتنصب الخبر خبرًا لها بشروط، وهي لغة الحجازيين؛ إذ يقولون: ما زيد قائمًا بنصب الخبر، والآخر إهمالها فتدخل على المبتدأ والخبر، فتفيد معنى النفي ولا تعمل شيئًا في المبتدأ والخبر وهي لغة بني تميم؛ إذ يقولون: ما زيد قائم بالرفع، واللغتان يقبلهما القياس؛ فقد عملها الحجازيون حملًا لها على ليس؛ لأن "ما" تشبه ليس في الجمود ونفي الحال، فلما أشبهت "ما" "ليس" عملت عملها فرفعت الاسم ونصبت الخبر. وأهملها بنو تميم فلم تعمل عندهم شيئًا؛ لأنه قد فُقد منها شرط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015