فإن غالب الأحاديث مرويٌّ بالمعنى، وقد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها، فرووها بما أدَّت إليه عباراتهم فزادوا ونقصوا، وقدموا وأخروا، وأبدلوا ألفاظًا بألفاظ، ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويًّا على أوجه شتَّى بعبارات مختلفة، ومن ثم أُنكر على ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث" وما ذكره السيوطي في هذه العبارة ترديد أمين لكلام شيخه الذي تلمذ لمؤلفاته، واستقى أكثر مادته منها، وتأثر بمنهجه واتجاهه النحوي، وهو أبو حيان. ولذلك نجده قد أردف كلامه بكلام الشيخ أبي حيان في شرحه على (التسهيل) المسمى (التذييل والتكميل في شرح التسهيل)، ونوجز هنا منا أورده السيوطي من كلام شيخه أبي حيان في النقطتين الآتيتين:
"الأولى: أن المصنف -يعني: ابن مالك- قد أكثر بالاحتجاج بالحديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب، في حين أننا لم نَرَ أحدًا من النحاة القدامى، أو المتأخرين قد سلك هذه الطريقة؛ بل إن الواضعين الأولين لعلم النحو من أئمة البصريين أو الكوفيين الذين شافهوا العرب الخلص، واستقرءوا الأحكام من لسانهم لم يفعلوا ذلك، وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من سائر المدارس النحوية.
الثانية: أن إحجام المتقدمين من واضعي هذا العلم عن الاحتجاج بالحديث الشريف في مؤلفاتهم؛ إنما يرجع إلى أمرين:
أحدهما: تجويز الرواة النقل بالمعنى، ومن ثَمَّ تجد قصة واحدة جرت في زمانه -صلى الله عليه وسلم- يُوردها الرواة بألفاظ مختلفة كحديث النكاح المروي بألفاظ متعدِّدة: ((زوجتكها بما معك من القرآن)) ((ملكتكها بما معك)) ((خذها بما معك)) مما يدل على أن الرواة إنما يرْوُون بالمعنى.