ثم جاء من بعدهما جلال الدين السيوطي المصري المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة من الهجرة، وهو صاحب كتاب (الاقتراح) فوجدناه أقرب إلى المنع منه إلى الإجازة، ولعله في هذا كان متأثرًا بأستاذه أبي حيان الذي يُعدُّ كتابه (ارتشاف الضرب من لسان العرب) من أهم المصادر العلمية التي استقى منها السيوطي كمادة كتابه (همع الهوامع).

أما المجيزون للاستشهاد بالحديث الشريف فهم -بحمد الله- أكثر من المانعين، وعلى رأسهم ابن مالك المتوفى سنة اثنتين وسبعين وستمائة من الهجرة -رحمه الله تعالى- وهو إمام النحاة واللغويين لعصره، وأكبر عالم نحويّ اهتمَّ بالحديث الشريف، وجعله المصدر الثاني للتقعيد بعد القرآن الكريم، كما أنه المصدر الثاني للتشريع. ومن ثَمَّ وجه إليه المانعون نقدهم وإنكارهم، وكان قد سبقه إلى الاحتجاج بالحديث علماء أجلاء من علماء الأندلس، منهم: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي المتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة من الهجرة، وابن خروف وهو علي بن محمد بن علي الأندلسي المتوفى سنة تسع وستمائة من الهجرة، ثم قيَّد الله للحديث الشريف بعد ابن مالك من يسير على دَرْبه، ويُعيد رفع لواء الاحتجاج به، ومن هؤلاء جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن هشام الأنصاري المصري المتوفى سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة.

أما المتوسطون المعتدلون ففي مقدماتهم أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المعروف بالشاطبي، المتوفى بالأندلس سنة تسعين وسبعمائة من الهجرة. ونبدأ مع السيوطي مناقشة قضية الاستشهاد بالحديث عند النحاة في ضوء ما أورده في (الاقتراح) يقول: "وأما كلامه -صلى الله عليه وسلم- فيستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي، وذلك نادر جدًّا؛ إنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015