كيف يظن أن القراءات استمرَّت على مقتضى ذلك الخطأ، وهو مروي بالتواتر خلفًا عن سلف، هذا مما يستحيل عقلًا وشرعًا وعادة".

وقد ذكر السيوطي أن العلماء قد أجابوا عن ذلك بأجوبة عديدة بسطها في كتابه الموسوم بـ (الإتقان في علوم القرآن)، وهي توضح وجوه هذه المستحيلات، وخلاصة الأجوبة عن الأثر المروي عن عثمان -رضي الله عنه- وأحسنها أن ذلك لا يصحّ عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع، ولأن عثمان جُعل إمامًا للناس يقتدون به، فكيف يرى في القرآن الكريم لحنًا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها، فإذا كان الذين تولَّوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك، وهم الخيار فكيف يُقيمه غيرهم، وأيضًا فإنه لم يكتب مصحفا واحدًا، بل كتب عدَّة مصاحف. فإن قيل: إن اللحن وقع في جميعها فبعيد اتفاقهم على ذلك، أو في بعضها فهو اعتراف بصحة بعضها، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف، ولم تأتِ المصاحف قط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن، أو أن هذا الأثر قد وقع فيه تحريف؛ فإن ابن أشتة المتوفى سنة ستين وثلاثمائة من الهجرة، أخرجه في كتاب (المصاحف) من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال: "لما فُرغ من المصحف أُتي به عثمان فنظر فيه فقال: أحسنتم وأجملتم، أرى شيئًا سنقيمه بألسنتنا" انتهى.

فكأنه لما عرض عليه بعد الفراغ من كتابته رأى فيه شيئًا على غير لسان قريش، كما وقع لهم في التابوت والتابوه من قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} (البقرة-: 248) فقال القرشيون: التابوت. وقال زيد: التابوه. فقال -رضي الله عنه: اكتبوه "التابوت" فإنه نزل بلسان قريش، فوعد بأنه سُيقيمه على لسان قريش، ثم وفَّى بذلك. وأما الأثر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015