في كتابه (الإنصاف)؛ إذ أفرد في هذه المسألة عامل النصب في خبر "ما" النافية، أفرد كلامًا كثيرًا تحدث فيه عن قوله: ذهب الكوفيون إلى أن "ما" الحجازية لا تعمل النصب في الخبر، وإلى أن الخبر منصوب بنزع الخافض، واحتجوا لمذهبهم بالقياس فقالوا: إن القياس في "ما": ألا تعمل؛ لأن الحرف إنما يكون عاملًا إذا كان مختصًّا و"ما" غير مختص؛ فالأصل فيه ألا يعمل؛ ولذلك أهملها بنو تميم وأعملها الحجازيون؛ لأنهم شبهوها بـ"ليس" من جهة المعنى وهو شبه ضعيف؛ فلم يقوَ على العمل في الخبر كما عملت "ليس".

وذهب البصريون إلى أن "ما" هي التي تنصب الخبر، واحتجوا بالقياس؛ فذكروا أن الدليل على صحة مذهبهم، هو أنَّ "ما" أشبهت "ليس"؛ فوجب أن تعمل عملها، وعمل "ليس": الرفع والنصب، أي: رفع الاسم ونصب الخبر، ويقوي الشبه بين "ما" و"ليس": دخول الباء في خبر "ما" كما تدخل في خبر "ليس"؛ فمن دخول الباء في خبر "ليس": قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (الزمر: 36)، ومن دخول الباء في خبر "ما": قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (فصلت: 46)، فإذا ثبت أن "ما" قد أشبهت "ليس"؛ وجب أن تعمل عملها.

ومما سبق يتبين أن هناك قياسين متعارضين، وقد رجح الأنباري قياس البصريين؛ فذكر أن النقل -أي: السماع- هو الذي يرجح ما ذهب إليه البصريون؛ فقال: وأما قولهم -أي: قول الكوفيين-: إن القياس يقتضي ألا تعمل؛ قلنا: كان هذا هو القياس إلا أنه وجد بينها وبين "ليس" مشابهة اقتضت أن تعمل عملها، وهي لغة القرآن؛ قال الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} (يوسف: 31)، وقال تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (المجادلة: 2).

ومما سبق يتبين أن السماع هو أحد الطريقين الذين يرجح بهما بين القياسين المتعارضين، والطريق الآخر هو القياس، ومثاله: أن يقول الكوفي: إنَّ "إنَّ"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015