وردوا قول الكوفيين بقولهم: إن رواية الرفع جاءت موافقة للقياس، ووجه موافقتها له: أن "أنْ" من عوامل الفعل وهي ضعيفة؛ فينبغي ألا تعمل من غير عوض، ويدل على ضعفها أنَّ من العرب من يهملها مظهرة ويرفع "ما" بعدها تشبيهًا لها بـ"ما" المصدرية؛ كما جاء في قراءة ابن محيصن: "لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ" (البقرة: 233) برفع "يُتِمُّ"؛ ولما كانت "أنْ" ضعيفة عن العمل كان القياس ألا تعمل وهي محذوفة، وعلى القياس جاءت رواية الرفع في قول الشاعر: "أحضر الوغى"، ولما كان القياس يقتضي ألا تعمل "أنْ" وهي محذوفة كانت رواية الرفع أولى وأرجح من رواية النصب في قول الشاعر:

ألَا أيُّهذا الزاجري أحضرُ الوغى ... ..................................

... البيت، ونلحظ على هذا المثال أن السيوطي قد نقله من (لمع الأدلة) لأبي البركات الأنباري، وقد سبق إلى الترجيح بالمتن ابن جني في كتابه (الخصائص)؛ إذ ذكر أن القياس يكون حكمًا بين النقلين المتعارضين، وذلك في مسألة تقديم التمييز على عامله المتصرف؛ فقد اختلف النحويون في تقدم التمييز على عامله المتصرف؛ فذهب فريق من النحويين إلى جوازه؛ فأجازوا أن يقال مثلًا: عرقًا تصببتُ؛ مستدلين في إحدى روايتي هذا البيت:

أتهجر ليلى بالفراق حبيبَها ... وما كان نفسًا بالفراق تطيب

فقد روي البيت بنصب "نفسًا" على التمييز فتقدم التمييز "نفسًا" على عامله المتصرف "تطيب"، ومنع فريق من النحويين أن يتقدم التمييز، وذكروا أن هذه الرواية تقابلها رواية أخرى، وهي: وما كان نفسي بالفراق تطيب برفع نفسي لأنها اسم كان وتطيب خبرها، كأنه قال: وما كان نفسي طيبة؛ فتعارض نقلان، وقد منع ابن جني تقديم التمييز على عامله المتصرف، ورجح رواية الرفع على رواية النصب؛ وكان القياس هو المرجح لأن التمييز فاعل في المعنى، ولا يجوز تقديم الفاعل على الفعل؛ فكذلك التمييز.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015