قال ابن جني -رحمه الله-: ومما يقبح تقديمه الاسم المميز وإن كان الناصبه فعلًا متصرفًا؛ فلا نجيز: شحمًا تفقَّأتُ، ولا عرقًا تصببتُ، وأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه أبو العباس من قول المخبل:

أتهجر ليلى بالفراق حبيبَها ... وما كان نفسًا بالفراق تطيب

فتقابله برواية الزجاجي وإسماعيل بن نصر وأبي إسحاق أيضًا: وما كان نفسي بالفراق تطيب؛ فرواية برواية والقياس من بعد حاكم ... انتهى.

وأوضح ابن جني أن التمييز في البيت المذكور في الأصل هو الفاعل في المعنى؛ فأصل الكلام: تصبب عرقي، وتفقأ شحمي، ثم حول الإسناد عن الفاعل الواقع مضافًا إلى ياء المتكلم إلى المضاف إليه، أي: إلى ياء المتكلم؛ فحوِّلت إلى ضمير رفع لوقوعها فاعلًا؛ فحصل في الإسناد إلى هذا الضمير إبهام؛ فجيء بالمضاف الذي كان فاعلًا وجعل تمييزًا، ويقال عنه: إنه تمييز محول عن الفاعل؛ فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل؛ فكذلك لا يجوز تقديم المميز؛ إذ كان هو الفاعل في المعنى على الفعل.

ترجيحُ لغةٍ على أُخرى

لقد أفرد ابن جني بابًا في كتابه (الخصائص) عنوانه: باب اختلاف اللغات وكلها حجة، وعليه عوَّل السيوطي في هذه المسألة؛ فقد أجاز ابن جني فيه الاحتجاج بجميع لغات العرب، وليس المراد جميع ما نطق العرب به؛ بل المراد باللغات لغات القبائل التي يؤخذ عنها يؤخذ عنها ويعتد بفصاحتها؛ إذ إن علماء العربية لم يأخذوا عن جميع القبائل؛ وإنما أخذوا عن بعضها وأعرضوا عن بعض؛ فأخذوا عن القبائل التي سلم أهلها من الاختلاط بالأعاجم وأعرضوا عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015