ومعنى الترجيح بالإسناد: أن يكون رواة أحد الدليلين أكثر أو أعلم أو أحفظ من رواة الدليل الآخر؛ فيكون الدليل الذي كثر رواته أو سلموا من الطعن أولى بالقبول من الدليل الذي قل رواته أو لم يسلموا من الطعن فيهم.
ومثال الدليلين المتعارضين اللذيْن رجح الإسناد أحدهما وضعف الآخر: قول الشاعر:
اسمع حديثًا كما يومًا تحدِّثُه ... عن ظهر غيب إذا ما سائل سأل
فقد روي قوله: "تحدِّثُه" بروايتين: "تحدِّثُه" و"تحدِّثَه" -بالرفع والنصب- فاستدل الكوفيون برواية النصب على أن "كما" تأتي بمعنى: "كيما"، ويكون المضارع بعدها منصوبًا، وذهب البصريون إلى أن "كما" لا تكون بمعنى: "كيما"، ولا يجوز نصب المضارع بعدها، وحجتهم في ذلك: أن رواية النصب في "تحدِّثُه" لم يذكرها إلا المفضل الضبي وحده، وقد أجمع الرواة من البصريين والكوفيين على رواية الرفع: "تحدِّثُه"، فلما كان رواة الرفع أكثر وأعلم وأحفظ؛ كانت روايتهم راجحة على رواية من روى البيت بالنصب؛ وبذلك يكون الإسناد هو الذي رجح أحد النقلين على الآخر.
ومعنى الترجيح بالمتن: أن يكون أحد النقلين موافقًا للقياس ويكون النقل الآخر مخالفًا له؛ فيكون الدليل الذي جاء موافقًا للقياس أولى بالقبول وأحق بالترجيح.
ومثاله قول الشاعر:
ألا أيُّهذا الزاجري أحضرُ الوغى ... وأن أشهدَ اللذاتِ هل أنت مخلِدي
فقد روي قوله: "أحضر" بروايتين: "أحضرُ" و"أحضرَ" بالرفع والنصب، واستدل الكوفيون برواية النصب على أن الأصل: أن أحضرَ؛ فدل هذا على جواز إعمال "أنْ" محذوفة في غير مواضع حذفها المقررة في علم العربية؛ ومنع ذلك البصريون إذ إن "أنْ" لا يجوز إعمالها عندهم محذوفة في غير مواضع حذفها،