العرب قد خالفوا هذا الأصل؛ فقلبوا الياء فيهما واوًا من غير علة قوية توجب قلب الياء؛ لأنه يمكن بقاؤها على حالها من غير مخالفة شيء من الأصول؛ وإنما انقلبوا استحسانًا للقلب وإيماءً للفرق بين الاسم والصفة؛ وخصوا الاسم بالإعلال لأنه أخف من الصفة فكان أحمل للأثقل.

وهذه علة ضعيفة وليست علة معتدة كما قال ابن جني، ووجه ضعفها وعدم اعتدادها: أن الاسم شارك الصفة في أشياء أخرى، ولم يوجب العرب على أنفسهم التفرقة بينهما في جميع ما اشتركا فيه، ومما اشتركا فيه: تكثيرهما على وزن واحد؛ فقد قالوا في تكسير حسن: حسان؛ كما قالوا في تكسير جبل: جبال، فوزن جمع الاسم وجمع الصفة واحد -وهو فِعال- وقالوا في تكسير غفور: غُفُر، كما قالوا في تكسير عمود: عُمُد؛ فلم يختلف وزن الاسم عن وزن الصفة، ومعنى ذلك: أن علة الفرق بين الاسم والصفة علة ليست مطردة؛ فدل ذلك على أنها علة ضعيفة غير مستحكمة؛ لأنها لو كانت مستحكمة لاطَّردت في جميع المواضع.

والمثال الثاني: التنبيه على أن أصل الباب في نحو: {اسْتَحْوَذَ}، من قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} (المجادلة: 19)، و"أطْوَلْتَ" من قول الشاعر:

صددت فأطْوَلْتَ الصدود وقَلَّما ... وصالٌ على طول الصدود يدوم

ومطيبة من قولهم: هو مطيبة للنفس.

فقد وجد في هذه الألفاظ الثلاثة ما يقضي بإعلالها فيقال: استحاذ، وأطلت، ومطاب؛ ولكن بقيت الواو في الأولين والياء في الأخيرة بحالها، مع قيام مقتضى الإعلال استحسانًا؛ تنبيهًا على أن الألف في نحو قولنا: استقام، أصله الواو وعلى أن أصل نحو: مقامة، هو مقومة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015