والمثال الثالث: بقاء الحكم مع زوال علته؛ فالأصل أن الحكم مرهون بعلته؛ فإن زالت العلة زال الحكم إلا أن يكون في الكلام استحسان؛ فتزول العلة ويبقى الحكم؛ كما في قول الشاعر:

حمًى لا يُحِل الدهر إلا بإذننا ... ولا نسأل الأقوام عقدَ المياثق

فإن "المياثق" جمع مفرده: ميثاق، والأصل فيه: موثاق، وقد وقعت الواو ساكنة بعد كسرة فقلبت ياء، وقيل: ميثاق، ويجمع على مواثق؛ برد الواو إلى أصلها؛ لأن العلة التي أوجبت قلبها في المفرد قد زالت، وهي: كسر ما قبلها مع سكونها؛ لكن استحسن هذا الشاعر ومن تابعه إبقاء القلب مع زوال العلة؛ فقال في جمعه: "مياثق" بإبقاء القلب، والذي حسَّن بقاء القلب: هو أن الجمع غالبًا تابع لمفرده إعلالًا وتصحيحًا؛ فلما أعل المفرد بقلب الواو ياء وقيل: "ميثاق"؛ أعل الشاعر الجمع تبعًا لمفرده استحسانًا، لا عن علة قوية مستحكمة.

والمثال الرابع: صرف الممنوع من الصرف إذا كان ثلاثيًّا ساكن الوسط نحو: هند، ونوح؛ فالقياس في هذين الاسمين: المنع من الصرف؛ فيمنع الأول من الصرف للعلمية والتأنيث، ويمنع الثاني من الصرف للعلمية والعجمة؛ ولكن هذا القياس قد خولف؛ فصرف هذان الاسمان ونحوهما تخفيفًا؛ فعلة الصرف الاستحسان مع قيام علة المنع، والخفة علة للاستحسان.

المثال الخامس: إلحاق نون التوكيد اسم الفاعل: فالأصل في نون التوكيد أن تلحق الفعل المضارع، وقد لحقت اسم الفاعل في قول الراجز:

أريتَ إن جئتُ به أُملودا ... مُرَجَّلًا ويلبس البرودا

أقائلنَّ أحضروا الشهودا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015