تعلم أن القياس إذا أجاز شيئًا وسُمِع ذلك الشيء عينه؛ فقد ثبت قدمه وأخذ من الصحة والقوة مأخذه، ثم لا يقدح فيه ألا يوجد له نظير؛ لأن إيجاد النظير وإن كان مأنوسًا به فليس في واجب النظير إيجاده" انتهى.
وقال: "وليس يلزم إذا قاد الظاهر إلى إثبات حكم تقبله الأصول ولا تستنكره ألا يحكم به حتى يوجد له نظير؛ وذلك أن النظير -لعمري- مما يؤنس به؛ فأما ألا تثبت الأحكام إلا به؛ فلا" انتهى.
ومعنى ما ذكره ابن جني: هو أن النظير يوجد للأنس به عند عدم الدليل ولا يُلتفت إليه ولا يُعوَّل عليه إذا قام الدليل على حكم نحوي؛ وإذا ورد الدليل فإن عدم النظير لا يضر، وأنه لا يُنظر إلى عدم النظير عند قيام دليل الحكم وثبوته؛ وإنما تكون الحاجة إلى إيجاد النظير إذا لم يقم الدليل.
وقد نبه ابن جني على ذلك بقوله في (الخصائص): "فأما إن لم يقم دليل فإنك محتاج إلى إيجاد النظير؛ ألا ترى إلى "عِزْوِيت" لما لم يقم الدليل على أن واوه وتاءه أصلان احتجت إلى التعلل بالنظير؛ فمنعت من أن يكون "فِعوِيلًا" لما لم تجد له نظيرًا وحملته على "فعليت"؛ لوجود النظير وهو: عفريت، ونفريت؟! " انتهى.
ويفيد كلام ابن جني هنا أن النظير يحتاج إليه إذا لم يقم الدليل؛ فلفظ "عِزْوِيت" ومعناه: القصير، أو هو اسم موضع لا دليل فيه على أن واوه وتاءه حرفان أصليان؛ فربما يكونان أصليين وربما يكونان زائدين، ويختلف وزنه باختلاف القول بأصالتهما وزيادتهما؛ فيحتمل أن يكون على وزن "فِعويل" وأن يكون على وزن "فِعليت"، والوزن الأول -فعويل- لا نظير له، والثاني -فعليت- له نظير نحو: عفريت ونفريت؛ فصح أن القول بأنه على وزن "فعليت" هو القول المرضي لوجود نظائره.