إياس-: "أن التراخي في سوف أشد منه في السين، واستدل على ذلك بالاستقراء؛ فقال: بدليل استقراء كلامهم؛ قال تعالى: {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (الزخرف: 44)، وطال الأمد والزمان، وقال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} (البقرة: 142) فتعجل القول ... " انتهى.
وقد أوردنا هذا المثال لنبين به أن السيوطي قد ذهب -نقلًا عن ابن إياس- إلى أن الدليل على أن سوف أوسع من السين هو الاستقراء، وليس قوله بمجمع عليه؛ وإنما ذهب إلى هذا الرأي البصريون؛ لأنهم نظروا إلى أن الأحرف التي تتألف منها سوف أكثر؛ فقالوا: إن كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى، وليس ذلك بمطَّرد؛ فإن حذرًا يدل على المبالغة مع قلة حروفه عن حاذر الذي لا يدل على المبالغة، مع أن الثاني -وهو حاذر الذي لا يدل على المبالغة؛ لأنه مجرد اسم فاعل- أكثر حروفًا من الأول.
إن هذا الدليل هو الدليل الثالث من أدلة النحو غير الغالبة، وقد أخرناه عن الاستقراء للعلة التي أوردناها، وهي: أن الاستدلال بالاستقراء والاستدلال بعدم الدليل ضدان؛ لأن ما ثبت بالاستقراء فقد ثبت بالإيجاب؛ كأقسام الكلم، وأنواع الإعراب، فإذا أردنا استعمال دليل النفي أمكن أن نقول: إن الدليل على أقسام الكلمة ثلاثة: أنه لو لم تكن كذلك لقام الدليل على الزيادة أو النقص في هذا العدد، وذلك لما نعرفه عن جهد النحاة الذي بذلوه في البحث والتقصي؛ فلما لم يقم دليل يعارض أن أقسام الكلم ثلاثة؛ ثبت أنها ثلاثة ليس غير ... ذكر ذلك الأنباري في (لمع الأدلة).
ويفهم مما سبق أن الاستدلال بعدم الدليل معناه: أن ينفي المستدل حكمًا؛ لأنه لم يرد دليل على صحة ذلك الحكم، ويكتفي به وإن لم يذكر دليلًا على النفي.