وقد عده الأنباري أحد الأدلة غير الغالبة وأفرد له الفصل الثلاثين من كتابه (لمع الأدلة)، ونقل السيوطي كلامه في (الاقتراح).

وقبل أن نذكر ما قاله الأنباري ونقله عنه السيوطي نشير إلى أنه لا خلاف بين العلماء في أن إقامة الدليل واجبة على من أراد إثبات حكم من الأحكام، والخلاف بينهم في من أراد نفي حكم من الأحكام؛ فذهب فريق من العلماء إلى أن النافي عليه إقامة الدليل، وذهب آخرون إلى أن النافي لا دليل عليه.

وقد عرض الأنباري الرأيين ومال إلى الرأي الأول، وهو: أن النافي عليه إقامة الدليل؛ فقال: اعلم أن هذا مما يكون فيما إذا ثبت لم يخفَ دليل؛ فيستدل بعدم الدليل على نفيه، وذلك مثل: أن يستدل على نفي أن أقسام الكلمة أربعة، أو نفي أن إعراب الكلمة خمسة أنواع؛ فيقال: لو كان أقسام الكلمة أربعة أو أنواع الإعراب خمسة لكان على ذلك دليل؛ ولو كان على ذلك دليل لعرف ذلك مع كثرة البحث وشدة الفحص؛ فلما لم يعرف ذلك دل على أنه لا دليل؛ فوجب ألا يكون أقسام الكلمة أربعة ولا أنواع الإعراب خمسة ... انتهى.

ومعنى ما ذكره الأنباري: أن من نفى أن تكون أقسام الكلمة ثلاثة أو أن تكون أنواع الإعراب أربعة؛ فعليه إقامة الدليل على دعواه، ولما لم يقم دليل على هاتين الدعويين وجب ردهما والتمسك بأن أقسام الكلمة ثلاثة وأن أنواع الإعراب أربعة.

وبعد أن بيَّن الأنباري أن النافي عليه إقامة الدليل عارض الرأي الآخر، وهو: وقد زعم بعضهم أن النافي لا دليل عليه؛ وإنما الدليل على المثبت وهذا ليس بصحيح؛ لأن الحكم بالنفي لا يكون إلا عن دليل، وكما يجب الدليل على المثبت؛ فكذلك يجب الدليل على النافي ... انتهى.

ومعنى ما ذكره الأنباري: أن الرأي الذي يأخذ به ويطمئن إليه ويعوِّل عليه هو: التسوية بين الإثبات والنفي في إقامة الدليل؛ فمن أثبت حكمًا فعليه إقامة الدليل؛ ومن نفى حكمًا فعليه أيضًا إقامة الدليل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015