الكلمة والإشفاق على الحرف المضعف أن يجيء في آخرها، وهو مكان الحذف وموضع الإعلال، وهم قد أرادوا تحصين الحرف الدّال على قوة الفعل.
ومن ذلك أيضًا: مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث، وهو باب عظيم واسع، وذلك أنهم كثيرًا ما يجعلون أصوات الحروف معبِّرة عن الأحداث الدالة عليها، من ذلك قولهم: خضم، وقضم؛ فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء، والقضم للصلب اليابس نحو: قضمت الدابة شعيرها؛ فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب، والقاف لصلابتها لليابس، حذوا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث، ومثل ذلك قولهم النضح للماء ونحوه، وهو الرش، وبابه ضرب إن كان الفعل متعديًا يقال: نضح البيت: رشه، ويقال نضحت القربة أي: رشحت، وباب اللازم قطع.
والنضخ بالخاء المعجمة أقوى من النضح بالحاء المهملة قال الله -سبحانه وتعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} (الرحمن: 66) فجعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف، والخاء لغلظها لما هو أقوى منه، فالعين نضاخة أي: كثيرة الماء أو الفوارة.
ذكر ابن جني أن الدلالات النحوية ثلاث: لفظية، وصناعية، ومعنوية، وأنها في القوة على هذا الترتيب فأقواهنّ اللفظية، ثم تليها الصناعية، ثم تليها المعنوية. وأفاد أن جميع الأفعال في كل فعل منها الدلالات الثلاث؛ فالفعل "قام" مثلًا دلَّ لفظه على مصدره أي: على الحدث، فهذه هي الدلالة اللفظية، ودلَّ بناؤه -أي: وزنه- على الزمان وهذه هي الدلالة الصناعية، ودل معناه على فاعله، وهذه هي الدلالة المعنوية، وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من الدلالة المعنوية