الأصول، كما يتقدَّم الطلب الفعل، فالأفعال إذا أخبرت بأنك سعيت فيها وتسببت لها؛ وجب أن تقدم أمام حروفها الأصول في مُثُلِهَا الدالة عليها أن تقدّم أحرفًا زائدة على تلك الأصول تكون كالمقدمة لها، والمؤدّية إليها نحو: استسقى، واستطعم، واستوهب، واستمنح، واستقدم عمرو، واستصرخ جعفرًا؛ فجاءت الهمزة والسين والتاء في استفعل زوائد، ووردت بعدها الأصول: الفاء، والعين، واللام، فهذا من اللفظ الذي جاء وفق المعنى المراد التعبير عنه، وجعلوا الأفعال الواقعة عن غير طلب إنما تفجأ وتبغت حروفها الأصول نحو: وهب ومنح، أو ما ضارع الأصول نحو: أكرم وأحسن؛ فإن الهمزة وقعت موقع الفاء من الفعل الرباعي، فأشبهت الحرف الأصلي، ومن ذلك أيضًا أنهم جعلوا تكرير العين في البناء دالًّا على تكرير الفعل فقالوا: كسَّر، وقطَّع، وفتَّح، وغلَّق، وذلك أنهم لما جعلوا الألفاظ دليلة المعاني، فأقوى اللفظ ينبغي أن يُقابل به قوة الفعل، فناسبوا بين المعنى والمبنى، والعين أقوى من الفاء، ومن اللام؛ لأنها واسطة لهما ومكنوفة بهما؛ فصارا كأنهما سياج أي: سور أو جدار لها، ومذهولان للعوارض دونها، يعني: أنهما لكونهما في الطرف معرّضان لما يحدث للكلمة من إعلال ونحوه من غير أن يصل للعين شيء من هذا الإعلال غالبًا، فهما يحميانها من العوارض الإعلالية.
فأما حذف الفاء ففي المصادر من باب وعد نحو: العدة والزنة؛ لأنهم استثقلوا الوعدة والوزنة، ولأن المصدر قد جرى مجرى الفعل، وأما حذف اللام فنحو: اليد، والدم والفم، والأب، والأخ. وقلما تجد الحذف في العين نحو: مذ وأصله منذ، فلما كانت الأفعال دليلة المعاني كرَّروا أقوى أحرفها، وجعلوا التكرير دليلًا على قوة المعنى المحدث به، وهو تكرير الفعل، كما جعلوا تقطيعه في نحو: صرصر دليلًا على تقطيعه، ولم يكونوا ليضعفوا الفاء، أو اللام؛ لكراهية التضعيف في أول