من جهة إنها وإن لم تكن لفظًا، فإنها صورة أي: صفة يحملها اللفظ، ويخرج عليها ويستقرّ على البناء المعتزم بها، فلما كانت كذلك لحقت بحكمه، وجرت مجرى اللفظ المنطوق به؛ فدخل -أي: الدلالتان اللفظية والصناعية- بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة.
وأما المعنى فدلالته لاحقة بعلوم الاستدلال، وليست في حيز الضروريات، مثال ذلك: الأفعال، فالفعل -كما مر- دلَّ بلفظه على مصدره، وببنائه وصيغته على الزمان، وهما مدركان بحاسة السمع، وهو مراد ابن جني بالمشاهدة فيما سبق، ودلَّ بمعناه على فاعله، وهذا إنما يُدرك بإعمال النظر من جهة أن كل فعل لا بد له من فاعل؛ لأن وجود فعل من غير فاعل محالٌ فهو استدلالي ونظري، وليس في قوة الدلالتين الأوليين.
ويفسّر ابن جني ذلك ويؤكد على أن دلالة الفعل على فاعله دلالة معنوية أي: من جهة معناه لا من جهة لفظه فيقول: "ألا تراك حين تسمع ضرب قد عرفت حدثه وزمانه، ثم تنظر فيما بعد فتقول: هذا فعل ولا بد له من فاعل، فليت شعري من هو، وما هو؟ فتبحث حينئذٍ إلى أن تعلم الفاعل من هو وما حاله من موضع آخر لا من مسموع ضرب، ألا ترى أنه يصلح أن يكون فاعله كلَّ مذكر يصحّ منه الفعل مجملًا غير مفصل فقولك: ضرب زيد، وضرب عمرو، وضرب جعفر، ونحو ذلك، شرع سواء، وليس لضرب بأحد الفاعلين هؤلاء ولا غيرهم خصوص ليس له بصاحبه، كما يُخص بالضرب دون غيره من الأحداث، وبالماضي دون غيره من الأبنية، ولو كنت إنما تستفيد الفاعل من لفظ ضرب لا معناه؛ للزمك إذا قلت: قام. أن تختلف دلالتهما على الفاعل لاختلاف لفظيهما، كما اختلفت دلالتهما على الحدث لاختلاف لفظيهما، وليس الأمر في