والثامنة: إبدالهم تاء الضمير طاء في قولهم: فحصْطُ برجلي، وأصله: فحصت؛ فشبهوا تاء الفاعل بتاء افتعل؛ كاصطبر، وأصله: اصتبر؛ فأبدلت التاء طاء لتجانس الصاد في الإطباق، والإطباق: هو أن ترفع في النطق أطراف لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقًا له؛ فيفخم نطق الحرف، وحروف الإطباق هي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء.

قال ابن جني في (سر صناعة الإعراب): "ووجه شبه تاء فعلتُ بتاء افتعَلَ: أنها ضمير الفاعل وضمير الفاعل قد أجري في كثير من أحكامه من الفعل مجرى بعض أجزاء الكلمة من الكلمة وذلك لشدة اتصال الفعل بالفاعل". انتهى.

فهذه ثماني عِلَل عُلِّلَ بها حكم واحد مما يدل على جواز تعدد العلل لحكم واحد في العربية؛ قال الأنباري في (لمع الأدلة) بعد إيراده هذه العلل وغيرها: وتمسكوا -أي: مجيزو التعدد- في الدلالة على جواز ذلك بأن هذه العلة ليست موجبة؛ وإنما هي أمارة ودلالة على الحكم، وكما يجوز أن يستدل على الحكم بأنواع من الأمارات والدلالات؛ فكذلك يجوز أن يستدل عليه بأنواع من العلل.

وعقب الأنباري بقوله: وهذا ليس بصحيح، وقولهم: إن هذه العلة ليست موجبة وإنما هي أمارة ودلالة.

قلنا: ما المعني بقولكم إنها ليست موجبة؟!

- إن عنيتم أنها ليست موجبة كالعلل العقلية كالتحرك لا يعلل إلا بالحركة أو العالمية لا تعلل إلا بالعلم فمسلم؛ وإن عنيتم أنها غير مؤثرة بعد الوضع على الإطلاق فلا نسلم؛ فإنها بعد الوضع أصبحت بمنزلة العلل العقلية؛ فينبغي أن تجري مجراها. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015