افتتح السيوطي هذه المسألة بعد العنوان بقوله: قال في (الخصائص): سواء لم يتضادا أم تضادا كقولهم: مررت بزيد ... إلخ.
وكعادة السيوطي نراه يتصرف في النقل؛ فيورد النص بالمعنى ويتجه غالبًا إلى الإيجاز والاختصار، وعبارة ابن جني منقولة بمعناها من باب عنوانه: باب في تقاوض السماع وتقارع الانتزاع، أي: في اطِّراد السماع في شيء وتخالف الاستنباط فيه؛ قال ابن جني في هذا الباب: واعلم أن اللفظ قد يرد شيء منه فيجوز جوازًا صحيحًا أن يستدل به على أمر ما، وأن يستدل به على ضده ألبتة، وذلك نحو: مررت بزيد، ورغبت في عمرو، وعجبت من محمد، وغير ذلك من الأفعال الواصلة بحروف الجر؛ فأحد ما يدل عليه هذا الضرب من القول أن الجار معتد من جملة الفعل الواصل به؛ ألا ترى أن الباء في "مررت بزيد" معاقبة لهمزة النقل في نحو: "أمررت زيدًا" وكذلك: أخرجته وخرجت به، وأنزلته ونزلت به؛ فكما أن همزة "أفعل" مصوغة فيه كائنة من جملته؛ فكذلك ما عاقبها من حروف الجر، يعني: ينبغي أن يعتد أيضًا من جملة الفعل لمعاقبته ما هو من جملته .... فهذا وجه.
والآخر: أن يدل ذلك على أن حرف الجر جارٍ مجرى بعض ما جره؛ ألا ترى أنك تحكم لموضع الجار والمجرور بالنصب؛ فيعطف عيه فينصب لذلك؟ فتقول: مررت بزيد وعمرًا، وكذلك أيضًا لا يفصل بين الجار والمجرور؛ لكونهما في كثير من المواضع بمنزلة الجزء الواحد؛ أفلا تراك كيف تقدر اللفظ الواحد تقديرين مختلفين وكل واحد منهما مقبول في القياس متلقًّى بالبشر والإيناس؟!. انتهى.