أولها: أن أكثر العلل عند النحويين مبناها الإيجاب كنصب الفضلة وما شابهها كخبر كان، ومفعولي ظن، ورفع العمدة، وجر المضاف إليه، وأن هناك ضربًا آخر يُسمَّى علة، وإنما هو في الحقيقة سبب يجوِّز الحكم ولا يُوجبه كأسباب الإمالة فإنها علة جواز لا وجوب، والإمالة معناها أن تذهب بالفتحة جهة الكسرة، فإن كان بعد الفتح ألف ذهبتَ بالألف إلى جهة الياء كالفتى بإمالة الفتحة والألف، وإن لم يكن بعد الفتحة ألف أملت الفتحة وحدها فأشربتها شيئًا من صوت الكسرة، كنعمة، وسحر، بجعل فتحة الميم في نعمة، والحاء في سحر ممالة، وكذلك علَّة قلب واو "وقتت" همزة كقوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} (المرسلات: 11) أُبدلت الواو همزة لكونها مضمومة ضمًّا لازمًا، ولثقل الضمة عليها، فكأنه اجتمع لك واوان، ومع ذلك يجوز إبقاؤها.
وقد قرأ أبو عمرو -وهو أحد القراء السبعة- "وُقتت"، وكذلك كل موضع جاز فيه إعرابان فأكثر، فظهر بهذا الفرق بين العلة والسبب، فما كان موجبًا حكمًا يُسمى علة، وما كان مجوِّزًا حكمًا يُسمى سببًا.
وخلاصة الأمر الثاني: أن محصول مذهب البصريين ومتصرف أقوالهم مبنيٌّ على جواز تخصيص العلل، يعني: ببعض المعلولات وعدم اطرادها في جميع الأفراد، وذلك لأن أكثرها يجري مجرى التخفيف والفرق، فلو تكلف متكلف نقضها لكان ذلك ممكنًا، وإن كان على غير قياس ومستثقلًا، كما لو تكلف تصحيح فاء ميزان وميعاد فقال: موزان وموعاد، وتكلف نصب الفاعل ورفع المفعول.
وليست كذلك علل المتكلمين لأنها لا قدرة على غيرها، فعلل النحويين متأخرة عن علل المتكلمين، ومتقدمة على علل المتفقهين. وعلل النحويين بهذا نوعان: نوع لا بد منه لأن النفس لا تطيق في معناه غيره، وهذا لاحق بعلل المتكلمين كقلب الألف واوًا لضم ما قبلها، وياء لكسر ما قبلها، وكمنع الابتداء بالساكن،