الفعلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة نحو: النقذان، والغليان، والغثيان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال. قال ابن جني: ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء كثيرة على سمت ما حدَّاه، ومنهاج ما مثَّلاه، وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضاعفة تأتي للتكرير نحو: الزعزعة، والقلقلة، والصلصلة، والقعقعة، والصعصعة، والجرجرة، والقرقرة، ووجدت أيضًا الفعلى في المصادر والصفات إنما تأتي للسرعة نحو: البَشَكى، والجَمَذى، والوَلَق" انتهى.
فابن جني يفتتح هذا الباب بإيراد ما يدْعَم به مسألة المناسبة بين الألفاظ والمعاني من الأمثلة الدالة على ذلك مما نقله عن شَيْخَي البصرة الخليل وسيبويه، وقد شرحنا ما نقله عن الخليل. أما ما نقله عن سيبويه فكعادته نراه قد تصرَّف فيه، ولقد سبق شيخنا التعلامة الشيخ محمد علي النجار، محقق (الخصائص) طيَّب الله ثراه حين قال: "ويبدو أنه -أي: ابن جني- قد يعتمد في النقل على حفظه فينال نقله بعض التغيير" انتهى.
وعبارة سيبويه في (الكتاب) وليس ابن جني منها ببعيد، سوى في بعض الأمثلة التي لم ترد في نص الكتاب، وتفسير ما جاء في (الخصائص) من أمثلة: أما النقذان فمصدر قولك: نقذ الظبي وغيره في عدْوِه نقذًا ونقذانًا، أو وثب صُعُدا وقفز، والغليان مصدر: غلت القدر وغيرها غليًا وغليانًا، والغثيان مصدر: غثت النفس غثيًا وغثيانًا اضطربت وتهيأت للقيء، ونص سيبويه من (الكتاب) قال: "ومن المصادر التي جاءت على مثال واحد حين تقاربت المعاني قولك النزوان، والنقذان، وإنما هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزازه في ارتفاع، ومثله العسلان والرتكان" انتهى.