المختار؛ خصوصًا إذا قلنا: إن الواضع هو الله -تبارك وتعالى، فإن ذلك كتخصيصه وجود العالم بوقت دون وقت. وأما أهل اللغة والعربية فقد كادوا يجمعون على ثبوت المناسبة بين الألفاظ والمعاني، لكنهم يُخالفون عبَّادًا بأنهم لا يرونها ذاتية دالة بالطبع أو طَبَعِية كما قال، وعلى سبيل الوجوب كما يراها.
وقد ذكر السيوطي المناسبة بين الألفاظ والمعاني نقلًا عن ابن جني الذي عقد لها في كتابه القيم (الخصائص) بابًا عنوانه: باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني وملخص هذا الباب: أن الواضع الحكيم قد وضع الحرف القوي للمعنى القوي، والحرف الضعيف للمعنى الضعيف، وقد صدره ابن جني بقوله: "اعلم أن هذا موضع شريف لطيف، وقد نبَّه عليه الخليل وسيبويه، وتلقته الجماعة بالقبول له، والاعتراف بصحته"، ثم أورد أمثلة كثيرة توضح قوة المناسبة بين اللفظ ومعناه، ومن هذه الأمثلة قول الخليل: كأن العرب توهَّموا في صوت الجُندب استطالة ومدًّا، فقالوا: سرّا، وتوهّموا في صوت البازي تقطيعًا فقالوا: صرصر" انتهى.
والجُندُب أو الجُندَب -بضم الجيم وضم الدال أو فتحها، بينهما نون ساكنة-: هو نوع من الجراد أو طائر يقع في النار، ويقال: صر الجندب يصرّ صريرًا أي: صوّت، وفي المثل العربي: يا جندب ما يصرك -أي: ما يحملك على الصرير- قال: أخاف من حرِّ غدٍ. يُضرب هذا المثل لمن يخاف ما لم يقع بعد. والبازي أو الباز: نوع من الصقور التي يصطاد بها، ويقال: صرصر البازي صرصرة، وقال الشاعر:
إذا صرصر البازي فلا ديك يصرخ ... ...........................
وكأنهم تخيَّلوا في صوت الجندب المدَّ، وفي صوت البازي الترجيع؛ فحكوهما على ذلك، وفي (الخصائص): "وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على