ونوضح هذا الرد في النقاط الآتية:
أولًا: إنكار القياس في النحو جريًا على إنكار جماعة له في الفقه كالظاهرية أمر محال؛ لأن إنكاره يؤدي إلى المحال؛ ولذلك لا يُعلم أحد من العلماء أنكر القياس في النحو؛ وذلك لثبوته بالدلالة القاطعة التي لا يرقى إليها شك أو تشكيك؛ فالعلماء أجمعوا على أنه إذا قال العربي: كتب زيدٌ؛ فإنه يجوز قياسًا على قوله أن يسند الفعل "كتب" إلى كل اسم مسمى تصح منه الكتابة، عربيًّا كان كعمرو وبشر، أو أعجميًّا كأزدشير، وهو اسم فارسي وممن سمي به أزدشير بن هرمز -أحد ملوك الفرس- وإلى ما لا يدخل تحت الحصر، وإثبات ما لا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال عادة، وإذا استحال النقل فيما ذكر كان قياسًا لا نصًّا على كل فرد فرد من تلك التراكيب غير المنحصرة في الوجود.
ثانيًا: كذلك العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال، وهي الرافعة والناصبة والجارة للأسماء، والرافعة والناصبة والجازمة للأفعال؛ فإنه يجوز إدخال كل منها على ما لا يدخل تحت الحصر.
ونقل المسموع من ذلك عن العرب أمر متعذر؛ فإنه يتعذر في النقل دخول كل عامل من العوامل على كل ما يجوز أن يكون معمولًا له؛ ألا ترى أنه يتعذر أن يُنقل بعد عامل الرفع كل ما يجوز أن يكون مرفوعًا به، وبعد عامل النصب كل ما يجوز أن يكون منصوبًا به، وبعد عامل الجر كل ما يجوز أن يكون مجرورًا به، وبعد عامل الجزم كل ما يجوز أن يكون مجزومًا به؟! فلو لم يجز القياس واقتُصر على ما ورد في النقل من الاستعمال لبقي كثير من المعاني لا يمكن التعبير عنها لعدم النقل؛ وذلك منافٍ لحكمة وضع الألفاظ؛ فوجب أن يوضع -أي: النحو- وضعًا قياسيًّا عقليًّا -أي: مقتصرًا فيه على معرفة الأنواع دون الأفراد-