ولم يرتضِ المتأخرون ما ذهب إليه ابن جني؛ فوصف بعضهم ما قال ابن جني بأنه مسلك ظاهر على وجهه التكلف غير محتاج لما ارتكبه ابن جني في تخريجه من التعسف.
والمسألة الثانية التي خالف ابن جني الإجماع: ما يعود عليه الضمير في قول الشاعر:
جزى ربُّه عني عديَّ بن حاتم ... جزاءَ الكلابِ العاوياتِ وقد فعل
فقد ذهب جمهور النحويين إلى أن الضمير في ربُّه عائد على متقدم، وهذا المتقدم هو المصدر الذي دل عليه قوله جزى؛ فالتقدير: جزى ربُّ الجزاءِ عني عديَّ بن حاتم، ومنع النحويون عود الضمير إلى "عديَّ"؛ حتى لا يعود الضمير على متأخر عليه في اللفظ والرتبة.
وخرق ابن جني إجماع النحاة؛ فأجاز أن يكون الضمير المتصل بالفاعل عائدًا إلى "عدي" الواقع مفعولًا به فقال: أجمعوا على أن ليس بجائز: "ضرب غلامُه زيدًا"؛ لتقدم المضمر على مظهره لفظًا ومعنى، وقالوا في قول النابغة:
جزى ربُّه عني عديَّ بن حاتم ... ............................
........ البيت: إن الهاء عائدة على مذكور متقدم؛ كل ذلك لئلا يتقدم ضمير المفعول مضافًا إلى الفعل فيكون مقدمًا عليه لفظًا ومعنًى؛ وأما أنا -والكلام لابن جني- فأجيز أن تكون الهاء في قوله:
جزى ربُّه عني عديَّ بن حاتم ... ............................
عائدة على "عديَّ" خلافًا على الجماعة" انتهى.
ونلحظ في كلام ابن جني أنه لا يرى بأسًا بمخالفة ما أجمع عليه النحويون؛ بل يرى مخالفة الإجماع جائزة؛ لأن للإنسان أن يرتجل من المذاهب ما يدعو إليه القياس ما لم يلوِ بنص أو ينتهك حرمة شرع.