-سبحانه وتقدست أسماؤه- قد هداهم لهذا العلم الكبير وأراهم وجه الحكمة في الترجيب له والتعظيم، وجعله -ببركاتهم وعلى أيدي طاعاتهم- خادمًا للكتاب المنزل وكلام نبيه المرسل، وعونًا على فهمهما، ومعرفة ما أمر به أو نهي عنه الثقلان منهما ... انتهى.

ونلحظ في كلام ابن جني إجلاله للسابقين من أهل العلم وتوقيره لهم، ويدل على تقديره إياهم أنه، مع إباحته مخالفتهم لمن تمرس بهذا العلم وعرف أصوله وقضاياه؛ إلا أن الأولى عنده موافقة الإجماع؛ إذ ذكر أننا -مع ذلك- لا نسمح له بالإقدام على مخالفة الجماعة التي طال بحثها وتقدم نظرها إلا بعد إمعان وإتقان.

ومعنى كلام ابن جني: أن من كان خليل نفسه وأبا عمرو فكره لا يجوز له خرق إجماع أهل الكوفة والبصرة، والجرأة على مخالفة ما أجمع عليه الفريقان إلا بعد إمعان وإتقان.

وقد خرق ابن جني نفسه إجماع النحاة في مسألتين ذكر السيوطي إحداهما ولم يذكر الأخرى، وسنذكرها:

أما المسألة الأولى التي خرق فيها ابن جني إجماع النحاة: فالجر على الجوار في نحو قولهم: "هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ"؛ فـ"خربٍ" صفة لجحرُ؛ فكان حقه الرفع؛ لأن الأصل في الصفة أن تكون تابعة للموصوف، وقد جاء قولهم: "خربٍ" مجرورًا؛ لأنه جاور مجرورًا، وأجمع العلماء على أنه من الشاذ الذي لا يقاس عليه ولا يجوز رد غيره إليه، وعلى هذا أجمع النحويون.

وخالفهم ابن جني وذهب إلى أن "خربٍ" صفة لـ"ضبٍّ"، على أن الأصل: خربٍ جحرُه؛ فـ"خربٍ" نعت سببي لـ"ضبٍّ"؛ كما هو شأن النعت السببي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015