فالإجماع عند الفقهاء ملزم يجب قبوله ولا يجوز رده؛ بل قال بعض الفقهاء: إن الإجماع أقوى من النص؛ لأن النص قد يلحقه التغيير حين يتطرق إليه النسخ، والإجماع يسلم من أن يتطرق إليه النسخ.

ومن هنا كان إجماع المجتهدين من الفقهاء حجة، ومعنى كونه حجة: وجوب العمل به مقدمًا على باقي الأدلة.

أما إجماع النحاة؛ فلا يعد ملزمًا عند ابن جني، وقد أقره السيوطي على ذلك.

وإنما كان إجماع النحاة غير ملزم عند ابن جني لأمرين اثنين:

أحدهما: إمكان وقوع الخطأ من علماء البصرة والكوفة مجتمعين؛ فالنحاة لا يدخلون تحت قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة))؛ إذ لم يرد في قرآن ولا سنة أن علماء النحو من البصرة والكوفة لا يجتمعون على الخطأ.

والأمر الآخر: طبيعة هذا العلم؛ فعلم النحو -كما وصفه ابن جني- علم منتزع من استقراء هذه اللغة؛ فكل من فرق له عن علة صحيحة وطريقة نهجة كان خليل نفسه وأبا عمرو فكره ... انتهى.

ومعنى ما ذكره ابن جني ونقله السيوطي: أن كل من كُشف وأُبين له عن علة صحيحة أو طريقة واضحة وتمرس في دراسة هذا العلم تمرسًا طويلًا حتى أحس في نفسه القدرة على التمكن من مسائله والإحاطة بقضاياه؛ قام في نفسه دليل قاطع يغنيه عن الخليل بن أحمد، وثبت لديه من فكره برهان ساطع يكيفه عن أبي عمرو بن العلاء؛ فمن اتصف بهذه الصفات؛ جاز له أن يخالف إجماع أهل البلدين.

ولكن هذه المخالفة مشروطة بطول البحث والتقصي والبعد عن نزوات الفكر؛ كما أنها مشروطة أيضًا بإجلال السلف؛ لأنهم القوم الذين لا نشك في أن الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015