فالبصريون هم الذين وضعوا علم النحو وتعهدوه بالرعاية؛ فالبصرة صاحبة الفضل في وضعه وتعهده في نشأته.

والكوفيون نهضوا بهذا الفن ونافسوا في الظفر بشرفه؛ فكان منهم علماء تلاقوا مع علماء البصرة؛ فوثب هذا العلم على أيديهم جميعًا وثبة حيي بها حياة بعد.

وقد ذكر السيوطي في أول (الاقتراح) أن الإجماع هو أحد أصول النحو الثلاثة عند ابن جني وهي: السماع، والقياس، والإجماع، غير أن الإجماع لم يحظَ عند ابن جني بما حظي به السماع والقياس؛ فهما أصلان معتمدان مطلقًا؛ أما الإجماع فلا يكون حجة إلا إذا لم يخالف المنصوص والمقيس على المنصوص.

ومن هنا وجدنا ابن جني يعقد في (الخصائص) بابًا عنوانه: القول على إجماع أهل العربية متى يكون حجة.

وعنه نقل السيوطي غير أنه اختصر الكلام اختصارًا غير مخلٍ، ونحن نذكر هنا كلام ابن جني كله إكمالًا للنفع وإتمامًا للفائدة:

قال -رحمه الله-: "اعلم أن إجماع أهل البلدين إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص والمقيس على المنصوص".

فقوله: "إجماع أهل البلدين"، معناه: إجماع أهل البصرة والكوفة؛ لأن عليهما الاعتماد في الأحكام النحوية.

وقوله: "إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص والمقيس على المنصوص"، معناه: أن الإجماع إذا خالف المنصوص أو المقيس عليه لم يكن حجة بل يجب تقديم النص عليه، وقد أراد ابن جني بكلامه هذا أن يفرق بين الإجماع عند النحاة والإجماع عند الفقهاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015