السند والمعلوم باعتبار أن الإرسال صدر ممن لو أسند؛ لقبل ولم يتهم في إسناده. فعدم الاتهام في الإسناد يعني: وجوب الأخذ بالمرسل، وعدم الاتهام في المعلوم يعني: وجوب الأخذ بالمجهول.
وردَّ الأنباري هذا الكلام وقال: "وهذا ليس بصحيح، وقولهم: "إن الإرسال صدر ممن لو أسند لقُبل ولم يتهم في إسناده فكذلك في إرساله"؛ قلنا هذا اعتبار فاسد، لأن المسند قد صرَّح فيه باسم الناقل، وأمكن الوقوف على حاله بخلاف المرسل، أي: فليس فيه تصريح باسم الناقل، وكذلك أيضًا النقل عن المجهول لم يُصرح أيضًا فيه باسم الناقل، ولا يمكن الوقوف على حقيقة حاله؛ بخلاف ما إذا صُرّح باسم الناقل، فبان بهذا أنه لا يلزم من قبول المسند قبول المرسل، ولا من قبول المعروف قبول المجهول" انتهى.
ونختم بأن نشير إلى أن السيوطي نقل كلام الأنباري مختصرًا في كتابه (الاقتراح)، ولم يذكر جواب الأنباري عن الرأي القائل بقبول المرسل والمجهول، وقد نبَّه على ذلك شُرّاح (الاقتراح)، فأخذوا على السيوطي أنه لم يذكر الجوابين.
والنقطة الرابعة: حكم الإجازة:
ويُعدُّ الحديث عن حكم الإجازة أثرًا من آثار علوم الحديث وانتقالها إلى أصول النحو؛ لأن الإجازة في الأصل مصطلح من مصطلحات علم الحديث، والمراد بها أن يُجيز المحدِّث لمعيِّن في شيء معين، كأن يقول المحدث: أجزت لفلان الكتاب الفلاني، فيجوز حينئذٍ أن يرويه عن شيخه، وأن يُحدِّث به، وأئمة الحديث على جوازها؛ إبقاء للتبرك بالانخراط في سلسلة الإسناد، والمراد بالإجازة هنا رواية الكتب والأشعار المدونة. وقد عقد الأنباري الفصل التاسع من